ثم بنبرة أرق: لننس ما كان، هذا خير ما نفعل.
وابتسم فيما يشبه الاعتذار. واقترب من سيد قائلا: «هات رأسك»، ولثم جبينه قبل أن يفطن الآخر إلى ما يريد، وتحول إلى المدام مغمضا: «وهاتي رأسك»، ثم لثم جبينها دون مقاومة من ناحيتها، وقال ووجهه لم يزل في مستوى وجهها: آسف يا مدام .. الصلح خير!
وفجأة لثم فاها. ثم استقام متراجعا وهو يقول: قبلة الصلح، وتحية للحلم القديم، حلم تراءى لي قبل موت سعد زغلول!
على ذلك غادروا المحل. وأمسك بيسراها داعيا الآخر للإمساك بيمناها، وسار ثلاثتهم في جو مائل للبرودة. والقمر متوار وراء سحابة مفضضة. وتراءى الخلاء في ظلام حتى الأنوار المتباعدة الباهتة فوق المقطم كعقد من النجوم. وضحك الرجل وقال: فلنتذكر أغنية جميلة يعرفها ثلاثتنا لنغنيها معا؟
يوم حافل
- لا!
قالها بحدة وهو يقطب، ثم رشف رشفة من قدح الشاي، وركز عينيه في القدح ليتجنب عيني زوجته، ولكنها قالت محتجة: كنت متوقعة هذا الرد! - حسن، لم لم تعفي نفسك منه؟ - لأن المرأة مسكينة حقا.
قال وهو يهز رأسه هزة الخبير بالعالم والناس: شياطين خبثاء. - اقرأ العريضة؛ لعلك تقتنع بأنها مظلومة حقا. - قلت شياطين خبثاء. - أنت تعلم أن زوجها وهب الوزارة عمره كله، فلأسرته حق في المساعدة التي يجيزها القانون. - وهب الوزارة عمره! .. اعلمي أن تسعين في المائة من موظفي الحكومة نباتات طفيلية تتغذى بدون وجه حق. - متى تغير بالله من طبعك؟
رمقها بنظرة باسمة باردة لا يمكن أن تنبت أملا، فحل صمت غير قصير، ثم سألها بنبرة جديدة وهو يقوم عن المائدة: كيف حال الولد؟
فلم تجب احتجاجا، ولما كرر السؤال قالت باستياء: نام ليلة أمس نوما هادئا، ولكن الحرارة ما زالت مرتفعة.
Page inconnue