وأقسم لها أنه لا يتغابى أبدا، فقالت: لا لزوم للنقود في هذه الحال. - أية حال؟
فطوقت عنقه بذراعها السمراء وهو يضطرب من الانفعال، وهمست في أذنه: الرضا! .. فهكذا أفعل إذا رضيت نفسي.
وغرق في نشوة فرح لم يجربها من قبل حتى رقصت الجدران، ولكنه هتف في شيء من الحياء: لا .. لا.
وكتمت احتجاجه بقبلة دسمة، فذاب اعتراضه في فرحة أشمل حتى ود أن ينعم كل شيء بالأفراح. واندفع يعد المكان لسهرة طويلة سعيدة؛ فمضى إلى الصالة ففتح الراديو، ونادى البواب فأمره بإحضار شراب وشواء، ثم رجع إلى الحجرة وهو يقول: كم من مرة رأيتك في القهوة طوال أربعة أعوام؟ .. ولكنني أحمق. - والرحيل؟
فهز رأسه بأسف، ثم تمتم: بعد غد؟ .. من يصدق هذا؟ .. ولكنني أحمق.
واستلقى عند قدميها وهو يفرقع بأصابعه مع نغمة راقصة رددها الراديو. واقتنع بأن الدنيا تتمتع بصحة تحسد عليها. وخطرت له فكرة جديدة فوثب إلى الأرض وهو يتساءل: ما رأيك في نزهة ليلية؟
ومضيا إلى ملهى صغير بشارع النبي دانيال. وتغلب بسهولة على حرص مأثور عنه فأنفق بسخاء، وشربا كثيرا، ورقصا مع كل نغمة. وفي فترة استراحة لاحظ أن شابا يرمق محبوبته باهتمام؛ فتكدر صفوه وتوثب لمواجهة أي احتمال لا يروقه. وتقدم الشاب من دنيا وانحنى تحية، ثم طلبها لرقصة مقبلة؛ فنفخ بركات غاضبا حتى همست في أذنه: هذا تقليد مألوف لا ضرر منه.
فقال بغلظة: لا أحبه.
ثم حدج الشاب بنظرة حمراء، وقال له بخشونة: اذهب.
ولم يدر بماذا أجاب الشاب، ولكنهما التحما في عراك بسرعة مذهلة. ولم يشعر بما تلقى من ضربات ولكنه أصاب خصمه في بطنه، فترنح وكاد يسقط على ظهره لولا أن تلقاه النادل بين يديه. وأحدقت بهما الأعين المخمورة في ذهول ووجوم. وتنقل مدير المحل بين الموائد مهدئا للخواطر، ثم أشار إلى الأوركسترا فانطلق يعزف داعيا إلى رقصة جديدة. وجعل بركات يلهث ودنيا تسوي له ربطة عنقه، وقد انخلع زرار الجاكتة وتهتك الجانب الأيسر من أعلى القميص. أما اللكمة التي أصابت صدره فلم تكن بذات بال، ورغم ذلك فلم يستأثر به الكدر أكثر من دقائق، وسرعان ما عاوده الانسجام، وراح يشرب كما يحلو له، ورمقه البعض بحنق فمالت دنيا على أذنه قائلة: نذهب يا عزيزي.
Page inconnue