ومرة اهتزت الإدارة بصوت حسن السماوي، وهو يرتفع بحدة كأسنان المنشار قائلا: الحكاية أن عقلك ليس في رأسك!
واتجهت صوبه الأنظار من جميع الأركان، فإذا به متحفزا فوق مقعده يرمي بنظرة حاقدة برهان الواقف أمام مكتبه.
وقال الأخير بصوت المعتذر: هفوة لا خطورة لها، والاستمارة لم ترسل بعد إلى المراجعة.
فصاح السماوي: هفوة أو جريمة هذا تقديري أنا لا أنت، الحقيقة أن عقلك ليس في رأسك!
ورمى بالاستمارة بصورة تدعو إلى الاستفزاز، ثم صاح بالشاب وهو راجع إلى مكتبه: هنا شركة لا تكية!
اصفر وجه برهان من التأثر، ومضى يعيد تحرير الاستمارة، لكن أثر الهجمة الحاقدة انعكس على سحر بدرجة أشد فيما خيل إلي، وضح تماما أن سرعتها المألوفة في الكتابة تعثرت، وأنها تمعن النظر في الكلمات ولكنها لا تقرأ شيئا. ووضح كذلك أن السماوي رأى شيئا رابه أو حطم آماله. ولعله ضبطه قبيل انفجاره بثوان فهو لا يكتم انفعالا، ولكن هل يظن أنه بالغ مراده بالقوة؟! وأخذ يطاردها في الطريق كما قال الرواة. ورئي وهو يحادثها في محطة الأوتوبيس. ولم ندر بطبيعة الحال كيف ينتهي عناده؟ وتعلقنا جميعا بأمل واحد آمنا بأن به وحده تتحقق العدالة الإلهية في إدارتنا. وقال جاري: ألم تعلم؟ لقد قابل عمها، وهو ولي أمرها ليطلب يدها.
سألته بلهفة: والنتيجة؟ - الاعتذار.
ثم مستدركا بفرحة غير خافية: فشل في البيت بعد فشل في الطريق؟
وبات غرام السماوي مشكلة إدارتنا. وزاد طبعه سوءا على سوء. عامل برهان معاملة شاذة اتسمت بالاستفزاز والتحدي والتربص، حتى آمن الشاب بأنه لا مستقبل له في شركتنا. أما معاملته لسحر فجرت على أسلوب مضطرب مذبذب، فتارة يعاملها بفظاظة ويغلظ لها في القول، وتارة يستميلها برقة وعطف، ثم يعود إلى الأولى، ولا يستقر بحال على حال. وكلما زاملت الصبر أحرقه الحقد، وخنقه اليأس. وقال مرة دون مناسبة أذكرها: عندنا تعامل المرأة كالحيوان؛ ولذلك يقال عنا إننا خير من يفهم النساء.
ولم تسكت سحر، فقالت بسخرية: هذا عندكم!
Page inconnue