كانت العربة دون أن أشعر قد وقفت، وكان عقرب الثواني لا يزال يتحرك ولكن الزمن توقف، مع العربة توقف، لم أنزل. - انزل.
الأمر صريح، نزلت، انطلقت العربة بسرعة خاطفة، اختفى هيكلها قبل أن يختفي صوتها، عدت إلى ما حولي، صحراء واسعة ممتدة، صحراء غير مستوية، لا شيء هناك ولا في أي اتجاه، لا أحلم، قطعا لا أحلم، خلعت الساعة، قربتها من أذني، التكتكة مسموعة، أنا لا أحلم، أنا موجود والقاهرة مختفية في مكان ما، ولكنها قريبة وموجودة.
سرت خطوات، عشر خطوات كيفما اتفق، فجأة وجدت أمامي بوابة، بوابة بالتأكيد موجودة من زمن، فعمرها لا يقل عن نصف قرن، بابها من حديد هائل الضخامة قد تراكمت فوقه طبقات الصدأ، عليه زرع أخضر له سيقان غليظة عمرها أكثر بكثير من عمر الرجل، وزهورها حمراء طازجة نبتت من ساعات، البوابة مغلقة، لم تفتح من أحقاب، الظل جميل بعد لفح الشمس، الخضرة تجعل من الظل جنة، البوابة من جماد، ولكنها أشعرتني بالونس، افتح يا سمسم، لم تفتح البوابة، واضح أنها مستحيل أن تفتح.
جلست أنتظر، لم يكن أمامي إلا أن أنتظر، غابت الشمس، نمت، صحوت، أشرقت الشمس، مالت، غابت، نمت، حلمت أني أمثل دورا في السينما وأني أحتضن البطلة أمام مخرج عجوز، عيون الكاميرا كانت تضايقني، صحوت، أنا جوعان، بدأت أمضغ الأغصان الجافة، أحسست لها بلذعة، كففت، خفت أن تكون نباتات سامة أو مخدرة، أخطأت وألقيت ناحية الشمس نظرة، لم أستطع سحب نظرتي، جذبتها الشمس تماما وابتلعت وعيي، عميت، عمى أبيض مليء بحمرة كالدم، حين غربت الشمس عدت للوعي والرؤيا ووجدت البوابة مفتوحة، دخلت، انطلقت بكل قواي أجري، الحديقة واسعة، مزدوجة بالأشجار، الظلام يتكاثف، أنا جوعان والأشجار أشجار جوافة، أكلت، عاودت الجري في خط مستقيم ربما أصل إلى هدف، شعشع الفجر، أحسست بطريقة ما أني محاصر، توقفت، من خلف كل شجرة برز مارد أطول مني بكثير، ربما مائة أو أكثر، أحاطوني، اكتشفت حين اقتربوا أنهم عرائس خشبية ضخمة وأن مفاصلها من خيوط وأسلاك، تحركنا، أنا في الوسط وهم حولي، طال المشوار، غابت الشمس.
لم أنم، ظل حراسي مستيقظين، في منتصف الليل سمعتهم يتحدثون وقد انقلبوا من عرائس رجال إلى عرائس نساء.
سألت أقرب جاراتي الحارسات: من تكون هي؟ أتكون هي هي؟
لم تجبني، غمغمت لجارتها: هذا الجلف. إنها أجمل من كليوباترا. - أكثر أنوثة من أفر وديت. - ساقاها أمتع من وليمة جنسية. - فخذاها امرأتان فاجرتان. - أعماقها غيبوبة أروع من الوعي. - هذا الجلف.
أشرقت الشمس.
كنت وحدي بلا حراس ولا عرائس.
في مواجهتي تماما باب أنيق لقصر. القصر مبني بطريقة حديثة كأنه ديكور لفيلم من أفلام المستقبل.
Page inconnue