Beyrouth et le Liban depuis un siècle et demi
بيروت ولبنان منذ قرن ونصف القرن
Genres
إن هنالك بعض المسلمين الأتقياء الذين يهتمون بترك مآثر خلفهم تقدس ذكراهم وتستمطر لهم نعم العزة الإلهية؛ فالشرقيون اعتادوا أن يسألوا الله الرحمة لفاعل الخير الذي يقدرونه حق قدره.
وغارس هذه الجميزة كان من عدد أولئك الأتقياء؛ فقد رأى هذا الرجل الصالح أن الشيء النادر - لدى الخروج من هذه المدينة - هو الظل، فغرس شجرة توفر الكثير منه لعابري السبيل فيترحمون عليه.
غير أنه بعد انقضاء قليل من الوقت صحت عزيمته على القيام بفرض الحج إلى مكة، فكلف أحد أصدقائه - بعد أن استحلفه - الاعتناء بالشجرة.
وعندما عادت القافلة ولم يرجع معها صاحب الجميزة، بردت همة متعهد هذه الشجرة، وكاد أن يقف مواصلة نفقاته التي ظن أنه لا يستردها، إلا أن شخصا قادما من الحج حمل إليه توصيات جديدة من صاحب الجميزة ، وأكد له عودته بعد قليل من الزمن؛ لقد اضطر أن يقوم برحلة إلى خليج فارس، وسيعود قريبا عن طريق بغداد والشام.
ثم طالت الغيبة أكثر من المنتظر، ولكن الرجل رجع أخيرا، ودنت ساعة الحساب ودفع المصارفات فتخاصما وانتهيا إلى التقاضي.
كان ما يطلبه الصديق من صاحب الجميزة مبلغا لا يستهان به؛ لأن تقلبات الطبيعة والجفاف جعلا الماء عزيزا، والشجرة كانت تسقى منذ زمن طويل.
وأخيرا قضت المحكمة على الحاج الجديد،
4
فاضطر إلى بيع عقار صغير كان لا يزال يملكه، وسدد بثمنه الدين الذي أورثته إياه تلك الشجرة.
أما الضابط الموفد من قبل عبد الله باشا، فقد أدهشته هذه الحكاية، فعفا عن الشجرة التي خالها مرصودة؛ فسلمت، ولم يحاول أحد اقتلاعها حتى بعد موت حاميها المدافع عنها.
Page inconnue