Beyrouth et le Liban depuis un siècle et demi
بيروت ولبنان منذ قرن ونصف القرن
Genres
لم يقنع الشيخ الجنبلاطي بما بلغ من نفوذ كتوليه منصب وزير الأمير - وهو منصب أطلق يده في حكم أبناء طائفته وأكثرية سكان البلاد - فأعلن العصيان عام 1825، مغتنما فرصة انحراف صحي شعر به الأمير وألزمه الفراش. زحف الدروز يؤازرهم فريق من المسيحيين وبعض أفراد آل شهاب إلى قصر بتدين،
4
مقر الأمير الكبير. وكان يسهل عليهم الاستيلاء عليه لو كان الجبليون يعرفون الاستفادة من المناسبات، ويضحون بعدد قليل من الرجال. غير أنهم يفضلون أن يطلقوا نارهم من وراء صخرة يلوذون بها، أو شجرة يختبئون خلف جذعها، بدلا من أن يهاجموا عدوهم وجها لوجه.
أما أعمال تسلق الأسوار فهذه حركات لا يحسنون القيام بها أبدا، وهذا ما يجعل مدة الحصار لا نهاية لها؛ ولذلك ظل إبراهيم باشا يحارب ثمانية أشهر حتى استولى على مدينة عكا، رغم أنه لم يدع فيها حجرا على حجر.
إن هجوما جبهيا كان يمكن أن يؤدي إلى سقوط قصر الأمير الذي لم يكن يحميه سوى ثلاثمائة رجل. ولكن الأمير أسرع فأنبأ الباشا بموقفه فأمده - بسرعة خاطفة - بجيوش
5
وصلت في وقت واحد هي والجيوش التي استقدمها الأمير من المقاطعات التي يحكمها، فطوقوا الدروز، وأعملوا السيوف في رقابهم، فكانت ملحمة كبيرة. وقد أبيد حزبهم عن بكرة أبيه، وزعماؤهم الذين لم يلاقوا حتفهم في القتال ضربت أعناقهم بالسيف في عكا ودمشق.
أما الشيخان بشير جنبلاط وعلي العماد فلقيا هذا الحتف بعد أن صودرت أموالهما، كما صودرت جميع أملاك الأمراء الذين كانت لهم إصبع في المؤامرة. ثم إن الأمير الكبير فقأ أعينهم وقطع ألسنتهم. فعل بهم ما كانوا قد أقسموا على أن ينزلوه به إذا ما انتصروا عليه وظفروا به.
لزمت أكثرية النكديين الحياد التام في هذه المعركة الفاصلة، فظلوا في مناصبهم ونعموا بثقة الأمير؛ وهكذا كانت هذه الثورة بدء عهد توطيد سلطة الأمير بشير، وإن ظل يلقى مع ذلك بعض الصعوبة في إرضاء عبد الله باشا الذي كان يتعبه في مطالبه. كان الباشا لا يقنع بأخذ ما يبتز من مال، بل يريد زج الأمير في جميع حروبه مع الإقطاعيين الذين ينكرون عليه سلطانه.
لم يكن في استطاعة الأمير رفض مطالب الباشا، فسخر رعاياه، معتمدا على ولائهم له بعد أن تألبوا عليه، ولكن تكليفهم دفع ضرائب باهظة - بعد نفقات حروب متواصلة شاركوا فيها بقسط وافر من أرواحهم - قد ساءهم كل الإساءة؛ وهكذا كان يضحي الأمير بمحبة شعبه له ليحصل على رضى الباشا، بينا هذا الباشا كان يتطلب منه الشيء الكثير، فكل ما كان يقدمه له الأمير لم يكن يرضيه ويشبع نهمه.
Page inconnue