182

Beyrouth Beyrouth

بيروت بيروت

Genres

ابتعدت عن الباب، ومشيت حتى طرف الحجرة، ثم استدرت ومشيت حتى الطرف الآخر. جعلت أذرع الغرفة جيئة وذهابا إلى أن شعرت بالتعب؛ فاقتعدت الأرض العارية، مسندا ظهري إلى الجدار. وسرعان ما تسللت الرطوبة إلى جسدي، فقمت واقفا، ومضيت إلى الباب. ووضعت أذني على ثقب المفتاح وأصغيت السمع.

التقطت أذني أصوات اصطفاق أبواب، ووقع أقدام وصيحات مبهمة. واقترب وقع الأقدام وسمعت أحدا يقول محتدا: «العكروت كان عم بيقوص علينا.» ورد عليه آخر قائلا: «ولاك، شو بدك منها؟ ألف بنت بتتمنى ظفر إجرك.» وجاءني صوت ثالث في لهجة آمرة: «عندك أمر حزبي؟» واشتبكت الأصوات ببعضها فلم أميز منها حرفا. وما لبثت أن خفتت تدريجيا وابتعدت.

اعتدلت واقفا، فلمحت مفتاحا للنور بجوار الباب. وكان ثمة مصباح كهربائي يتدلى من السقف. ضغطت المفتاح عدة مرات دون جدوى. واشتد إحساسي بالبرد، فقفزت عدة مرات، ثم قمت ببعض التمرينات الرياضية إلى أن شعرت بالتعب.

كان هناك ركن وحيد في الغرفة بمنأى عن تيار الهواء المنبعث من الكوة، هو ذلك الذي شغلته صناديق الكرتون. مضيت إليه، وأقبلت أحرك الصناديق أنقلها إلى ركن آخر، ثم ضغطت أحدها بين يدي ووضعته على الأرض وجلست فوقه. وفعلت المثل بصندوق آخر وضعته خلف ظهري.

استمتعت بشيء من الدفء إلى أن هبط الظلام، وتشبع الصندوقان برطوبة الجدران والأرض. ولم تلبث البرودة أن تسللت إلى عظامي، ولم يفدني انكماشي على نفسي. وبعد قليل استولت علي رغبة شديدة في التبول.

كنت أعرف بالتجربة، أنه طالما أني بمفردي، ولا أملك وسيلة من وسائل المقاومة أو الضغط، فإني مهما صرخت أو قرعت الباب، فلن أغير شيئا مما هو مقرر لي. والأغلب أني سأعرض نفسي للأذى؛ لهذا قررت أنتظر حتى يكشف الخاطفون عن نواياهم.

لكن ضغط البول على مثانتي، جعلني أتخلى عن حكمتي أو خوفي، فمضيت إلى الباب وجعلت أطرقه بكل قواي وأنا أصرخ مناديا.

آلمتني يداي بعد حين، فكففت عن الطرق وأنصت. سمعت وقع أقدام تقترب. ودار مفتاح في قفل الباب، ثم انفرج مصراعه عن ضوء كهربائي خافت، وشاب يحمل رشاشا على كتفه، وتتدلى من فمه سيجارة تفوح منها رائحة الحشيش.

خاطبني في حدة: ليش عم بتدق؟

قلت: أريد أبول.

Page inconnue