Entre les marées et les afflux : pages sur la langue, la littérature, l'art et la civilisation
بين الجزر والمد: صفحات في اللغة والآداب والفن والحضارة
Genres
رد على استفتاء «الهلال»
السؤال:
هل تعتقدون أن نهضة الأقطار العربية قائمة على أساس وطيد يضمن لها البقاء، أم هو فوران وقتي لا يلبث أن يخمد؟
الجواب:
يتعذر إطلاق حكم شامل على جميع الأقطار العربية، ونحن بعيدون عنها لا نعرف من أحوالها سوى ما تشرحه لنا صحفها وكتبها فضلا عن الأنباء التلغرافية والأخبار السياسية، بيد أنه يمكنني أن أتكلم عن مصر وسوريا، ويظهر أن أحوال البلدان الأخرى أحوالهما مع الاختلاف المحتوم الملاصق بكل قطر.
لكلمة «نهضة» التي نستعملها بمعنى
Renaissance
معنيان اثنان: أحدهما تجدد الأمة في مجموع أحوالها بعامل أو عوامل استفزتها وتغلبت على العوامل الأخرى؛ كالنهضة الأدبية الفنية في أوروبا في القرن الخامس عشر، والنهضة العلمية والآلية في أوروبا وأمريكا في القرن المنصرم وفي هذا القرن العشرين.
أما المعنى الآخر فهو الانتباه لوجوب إحداث التغير، والشعور بابتداء وقوع ذاك التغير. فالتجدد هنا هو التيقظ والرغبة في الأخذ بما أخذ به آخرون، فوسع عندهم مجال الحياة فاستفادوا به وخسروا، وتنعموا وتوجعوا، هو تحفز ومباشرة جميعا. وهذا المعنى من النهضة يتطابق والحالة في مصر وسوريا، بما يتضمنه من: قلق واضطراب، واندفاع ورعونة صبيانية، وإخلاص وارتباك، ونشاط وخطأ وإصابة. وبمثل هذا تبدأ دواما النهضات الحقيقة بهذا الاسم؛ إذ لا طفرة في الحياة، ولا بد لكل نضوج أن يستكمل وقته ونظامه.
أما كون هذه النهضة «قائمة على أساس وطيد» فليس ذلك بالمطلوب؛ إذ لا يحتاج النهوض إلى «أساس» يضمن له البقاء، بل يحتاج إلى «دافع» يسوق ويستحث ويحدو، والدافع موجود؛ ولذلك لن تكون هذه النهضة فورانا وقتيا، بل هي على نقيض ذلك ابتدأت منذ عهد قريب، وستظل في تزايد بتفشي حمى الحياة بين شعوب المسكونة. إن الحضارة العالمية الكبرى تنتقل من شعب إلى شعب خلال الدهور بحركة متموجة؛ تعلو موجتها في أمة فتتجلى مواهب تلك الأمة وتأتي بأقصى ما في إمكانها، ثم تهبط الموجة لتتكون من جديد عند شعب آخر، بينا تتأثر بارتفاعها سائر الشعوب بدرجات متفاوتة.
Page inconnue