Entre la religion et la philosophie : L'opinion d'Averroès et des philosophes du Moyen Âge
بين الدين والفلسفة: في رأي ابن رشد وفلاسفة العصر الوسيط
Genres
ولعل من البواعث الهامة فيما نرى التي بعثت أولئك المفكرين من رجال الديانات العالمية الثلاث إلى التأويل، هو ما يراه الواحد منهم من أن دينه عالمي للخاصة والعامة من كل الأمم وفي كل العصور، فيجب أن يكون متفقا في أفكاره مع الحقائق الفلسفية التي قامت الأدلة على صحتها، والتي فرضت سلطانها العام أو العالمي، وذلك ما لا يكون إلا بالتأويل.
وكذلك من أسباب الاضطرار إلى التأويل ما نشير إليه هنا بإيجاز لنتناوله بشيء من البسط فيما بعد، من أنه في مسائل الطبيعة وما بعد الطبيعة قد تكلم الأنبياء وأحبار الدين ورؤساؤه بالمجاز والإلغاز عمدا لخطورة الموضوع،
2
وذلك لتكون العامة ومن إليهم بمنجاة من محاولة فهم هذه المسائل التي فوق طاقتهم، ومن ثم وجب التأويل لبعض النصوص بالنسبة للحكماء الذين تؤهلهم عقولهم واستعداداتهم لتأويلها وإدارك ما فيها من حقائق جاءت بطريق الرمز والمجاز، كما يذكر «كليمانت» الإسكندري.
3
وفضلا عن هذا وذاك؛ فإنه - وقد وجدت فكرة العالمية لكل من الدين والفلسفة، وأخذ الباحثون يعملون عقولهم فيها - كان لا بد أن يظهر التعارض بينهما لاختلاف طريقة العرض والأسلوب وخطة البحث في هذين الطرفين، فكان لا بد إذن من التأويل بينهما، وهذا ما حصل فعلا في كل من الأديان الثلاثة. (1) لدى اليهود قبل فيلون
وإذا كان التأويل، كما قلنا، ظاهرة تاريخية دينية، فإننا نرى أن نبدأ الحديث عنه في غير الإسلام بالإسكندرية قبل العصر المسيحي؛ إذ كانت هذه المدينة بعد قليل من عهدها بالوجود، المدينة التي التقت فيها الحضارة في ذلك الزمن البعيد، وفي هذا يقول الأستاذ كروازيه
Croiset : «وكانت الإسكندرية نقطة الاتصال لمختلف حضارات العصر القديم: حضارة مصر، وحضارة الشرق بعامة، وحضارة اليونان؛ فقد تواعدت هذه الحضارات على اللقاء على ضفاف البحر الأبيض المتوسط، والبطالمة كانوا أذكياء وطموحين، فحين رأوا عاصمتهم غدت أغنى المدائن في العالم، عملوا على أن تكون أيضا أكثرها وأغناها من العلماء والمثقفين.»
4
وقد كان لليهود مثلهم مثل غيرهم من أبناء الأجناس الأخرى، جالية كبيرة تعتز بدينها الذي يقوم على التوراة وتقاليدهم الدينية المأثورة، إلا أنهم مع هذا اضطروا للأخذ بنصيب من الفلسفة والآداب اليونانية، وهذا مما جعلهم يترجمون فيما بعد كتبهم المقدسة لليونانية التي كانت لغتهم العادية.
Page inconnue