Entre la religion et la philosophie : L'opinion d'Averroès et des philosophes du Moyen Âge
بين الدين والفلسفة: في رأي ابن رشد وفلاسفة العصر الوسيط
Genres
وهذا الاعتذار يذكرنا باعتذار سلفه وبلديه ابن طفيل في مثل هذه الحالة، عن مخالفته طريق السلف الصالح في الضن بالحكمة على غير أهلها، بأنه يحاول إصلاح ما أفسده سابقوه بالتصريح بآراء مفسدة وتآويل ضالة تلقفها غير أهلها فعم بذلك ضررها.
38 (4) تحديد مدى قدرة العقل، والصلة بينه وبين الوحي
نجيء بعد ما تقدم لأهم مسألة فيما نرى يتعرض لها من يحاول التوفيق بين الدين والفلسفة، نعني مسألة الوحي وتحديد سلطانه وميدانه بالنسبة للعقل؛ لا بد إذن من أن يقول ابن رشد هنا كلمته، فيبين صراحة رأيه في الوحي وتحديد الصلة بينه وبين العقل، وفي المعجزات والنبوة، وفيما يكون أو لا يكون من الحاجة للشريعة بجانب العقل.
الأمر خطير واللحظة حاسمة بالنسبة لفيلسوف قرطبة، وهو الحريص على الإيمان بالدين، والذي رأينا مبلغ اعتداده بالعقل ونظره، وذلك إلى درجة تجعله يجيز أن يخالف العقل بما يصل إليه من نتائج صحيحة الإجماع في الأمور النظرية، ويوجب تأويل ما يخالف النظر العقلي من ظواهر النصوص كما رأينا فيما سبق. •••
وهذه المشكلة قد تعرض لها كل من وقف موقف ابن رشد بين الدين والفلسفة، سواء تقدم به الزمن عنه أو تأخر، ونذكر في هذا من باب التمثيل: سعاديا الفيومي المتوفى سنة 942م، وابن ميمون، من اليهود، كما تعرض لها من رجال الكنيسة المسيحية كثيرون نكتفي منهم بذكر القديس «أنسلم» المتوفى سنة 1109، و«أبيلارد» المتوفى سنة 1142م، ومن بعدهما «ألبير الكبير»، وتلميذه «توماس الأكويني» المتوفى سنة 1274م، وهو أكبر لاهوتي في العصر الوسيط.
حقا، لقد اضطر هؤلاء جميعا لمعالجة هذه المشكلة بوجهيها: ما منزلة الوحي من العقل؟ وما صلة الفلسفة بالدين؟ فكل قد قال في ذلك كلمته.
يرى سعاديا الفيومي أن العقيدة في حاجة إلى العقل لفهمها وشرحها والدفاع عنها، أي إن للعقل بجانب الوحي هذا الدور الثانوي جدا كما يقول «مونك»، فليس للوحي أن يخشاه، بل بالعكس يجد منه سندا وظهيرا.
وهذا الرأي - أي كون الفلسفة في خدمة الدين على ذلك النحو - هو رأي اليهود الربانيين أو أنصار التلمود، وهذا الرأي الثانوي الذي للعقل، له في رأي سعاديا ما يبرره؛ لأنه وإن كان العقل يعرف نفس الحقائق الوحيية، لكنه يحتاج لمعرفتها إلى نظر طويل، على حين أن الوحي يعطينا إياها بسرعة ويسر.
39
وابن ميمون - مع اعتداده بالعقل واعتباره رباطا بيننا وبين الله، فليس لنا أن ننبذه - يؤكد أن مهمة الفلسفة هي شرح الحقائق الدينية والتدليل عليها
Page inconnue