Entre la religion et la philosophie : L'opinion d'Averroès et des philosophes du Moyen Âge
بين الدين والفلسفة: في رأي ابن رشد وفلاسفة العصر الوسيط
Genres
وبعد، ما هو رأي «فيلسوف العرب» في العالم وقدمه أو حدوثه، وهي من المسائل الهامة التي كفر الغزالي الفلاسفة من أجلها، وهي من المسائل التي يمكن بحثها مما نشر حتى اليوم من رسائله؟ نستطيع أن نقرر أن الكندي يذهب إلى أن العالم محدث لا قديم، وأن الله هو الذي خلقه بعد عدم.
إنه حقا في رسالته «في حدود الأشياء ورسومها»، يعرف العلة الأولى بأنها «مبدعة، فاعلة، متممة الكل، وغير متحركة»، وحد الإبداع هو الخلق عن عدم، أو هو كما يقول الجورجاني: «إيجاد الشيء من لا شيء»، «إيجاد شيء غير مسبوق بمادة ولا زمان»، وهو كما يذكر الكندي نفسه: «إظهار الشيء عن ليس»، أي عن عدم الوجود.
وإذن، ما دام الله هو الذي أبدع العالم، فيجب أن يكون العالم غير موجود، ولو بمادته قبل وجوده، والنتيجة تكون أن العالم غير قديم.
وليس هذا فقط، فإن أول فلاسفة الإسلام قد أوضح في رسالته «في وحدانية الله وتناهي جرم العالم»
14
أن جرم العالم محدود، وذلك من مقدمات واضحة معقولة ترتكز على الأصول الرياضية، إنه يرى أن جرم العالم متناه، وإلا لو فرضنا الضد وفصلنا منه جزءا محدودا كان الباقي إما محدودا كذلك، فيكون الجميع - أي: بإضافة ما فصلناه - متناهيا؛ لأن الجرمين المتناهيين يكون مجموعهما متناهيا حتما، وإذن يكون العالم غير متناه ومتناهيا، وهذا خلف لا يمكن .
وإن كان الباقي غير متناه ثم أضيف إليه ما فصل منه، كان المجموع أكبر طبعا مما كان قبل، ولكنه قبل وبعد هو هو؛ لأنه غير متناه، وإذن فاللامتناهي يوصف بأنه أكبر وأصغر وهو تناقض.
وإذا ثبت هكذا أن جرم العالم متناه، كان كل ما يرتبط به وما لا ينفصل عنه من مكان وحركة وزمان، متناهيا ضرورة؛ لأن الزمان هو مقياس الحركة الحاصلة عن الجرم، والجرم المتناهي حركته متناهية ضرورة، فيكون زمانها الناشئ عنها متناهيا كذلك، ذلك بأن الجرم والحركة والزمان لا يكون بعضها دون بعض ولا يسبق بعضها بعضا.
وبعد ذلك؛ إذا ثبت هكذا أن جرم العالم متناه، كان غير قديم بلا شك، وإلا إذا كان لا أول لوجوده كان غير متناه، وقد ثبت قبل أنه متناه. «فيمتنع إذن أن يكون جرم لم يزل، فالجرم إذن محدث اضطرارا، والمحدث محدث المحدث، إذن المحدث والمحدث من المضاف، فالكل محدث اضطرارا عن ليس»، أي: عن عدم، وهذا الإحداث هو الإبداع، أي: الإيجاد عن عدم، كما سبق أن ذكر في رسالة الحدود. •••
وهكذا نرى أن الكندي يذهب في هذه المشكلة الهامة، مشكلة العالم وصلته بالله، مذهب رجال علم الكلام في زمنه بصفة عامة، مخالفا بهذا مذهب أرسطو حين ذهب إلى قدم العالم، وذلك ما ينبغي أن يعتبر بلا ريب خطوة كبيرة في سبيل التوفيق بين العقيدة الإسلامية وفلسفة اليونان، كما عرفها المسلمون.
Page inconnue