Entre le lion africain et le tigre italien : étude analytique historique, psychologique et sociale sur le problème éthiopien italien
بين الأسد الأفريقي والنمر الإيطالي: بحث تحليلي تاريخي ونفساني واجتماعي في المشكلة الحبشية الإيطالية
Genres
ومن هنا بدأت المشكلة الحقيقية؛ لأنه لو لم تكن النية معقودة في إيطاليا على حرب استعمارية كبرى ما تشددت إيطاليا كل هذا التشدد، ولانحلت العقدة بالتحكيم الذي حاولوه مرات عدة، ولو أن عصبة الأمم احتفظت بهيبتها لخشيت إيطاليا عاقبة التمادي في مخالفة الرأي الدولي العام.
ولكن علم إيطاليا بدخائل الأمور في العصبة وفي وزارات الخارجية شجعها على الإقدام مع شيء من المجازفة. وتهاونت الدول وأهملت وأمهلت، واستمر الاستعداد وحشد الجيوش، وجمع الذخيرة، وتحميس الرأي العام في إيطاليا، وهو يكاد يكون كتلة واحدة. وليس في إيطاليا للعمال أو الاشتراكيين صوت مسموع، وإلا لقالوا كلمتهم ضد الحرب، ولكن إخفات الأصوات ليس معناه أنها غير موجودة.
3
ولكن كثيرين من الساسة والأذكياء وذوي الرأي خطئوا هذه السياسة لأسباب لا تعد، وما زالت الحال على ذلك حتى حدثت شبه عزلة دولية، فلا الأمم ولا الحكومات - حتى التي كانت تعطف على إيطاليا - استمرت على ولائها، ولعل حوادث التاريخ المقبلة تدل على أن أصدقاء إيطاليا الذين وقفوا في وجهها هم أشد إخلاصا لها من الذين شجعوها (إن كان هناك من شجعها على خوض تلك المغامرة). وقد نتج من كل ما تقدم أن ظهر خطأ السياسة الفاشية في التفكير في هذه الحرب، والاستعداد لها، والتصميم على خوض غمارها مهما كانت النتيجة.
الزعامة الحديثة وانقياد الأمم والفرق بين البطولة والزعامة
ينظر الملأ الآن إلى الحبشة ويعتبرها بعضهم قلب العالم الذي يخفق، كما ينظر إلى إيطاليا وما هي مقبلة عليه بعدما بذلت من صنوف الاستعداد، واتخذت من وسائل، فلا يتبين الناظر في الحالتين شعبين في الشرق والغرب يخوضان حربا طاحنة، ولكنه يتبين زعيمين كبيرين أحدهما رفعه إقدامه وسعة حيلته من مصاف الأمراء إلى دست الملك وعرش الإمبراطورية، وقيل إنه سبط يهوذا، وسلالة الملك سليمان الحكيم من بلقيس ملكة سبأ، وهو يمثل أمة من أعرق الأمم في حب الحرية، والذود عن حياضها.
والثاني رجل من الشعب نشأ نشأته، وعانى في بداية حياته ما يعاني أمثاله حتى بلغ ذروة السلطان في وطنه، وبلغ قمة المجد والنفوذ بين بني جلدته، وهو الآخر يمثل أمة كانت من أعرق الأمم في المجد الحربي والسياسي، وكانت لها السيادة على العالم في عصر من أمجد عصور الحضارة الوثنية، ولكنه تقلب في مواطن الأحزاب ومذاهب السياسة.
ولعل التناطح بين الشعوب ليس إلا تطاولا بين الزعماء، ومظهرا لقوة إرادتهم، ودليلا على رغبتهم في الفوز والانتصار على مزاحميهم في ميادين المجد، وعلو الصيت، وضخامة الشهرة، وخصوصا في البلاد التي لا تكون فيها الأمة مصدر السلطات.
ولدى كل أمة من الأمم مؤثرات وعوامل فكرية تؤثر في نفوس بنيها، ولا تكون الزعامة الصحيحة إلا لمن يعرف كيفية استعمال هذه المؤثرات والعوامل التي تؤثر في النفوس، فإذا ما اهتدى الزعيم أو المرشح للزعامة إلى تلك العوامل، وكيفية استعمالها، تمكن بسهولة من جمع الأفكار، وتوحيد الإرادات الفردية حول فكرته الخاصة وإرادته.
وهيهات أن ينجح الزعيم ما لم يكن مسحورا بالفكرة التي صار داعيا إليها حتى تستولي عليه استيلاء لا يرى معه إلا الفكرة التي ينادي بها. وبدون هذا «الإيحاء الذاتي» لا يمكنه أن ينجح في التأثير في أذهان الجماهير؛ لأنه لا شيء يحرك همتهم مثل مظهر الإيمان الذي يبدو على شخص الزعيم، وإن يكن بعض الزعماء أو قادة الفكر ليسوا من النوابغ في صدق الآراء، وصحة النظر، إلا أنهم من أهل الهمة العالية، وذوي الإقدام والعمل.
Page inconnue