Entre le lion africain et le tigre italien : étude analytique historique, psychologique et sociale sur le problème éthiopien italien
بين الأسد الأفريقي والنمر الإيطالي: بحث تحليلي تاريخي ونفساني واجتماعي في المشكلة الحبشية الإيطالية
Genres
وحجة هؤلاء الرجال في هذا الحكم الذي يبدو غريبا، هي أن كل العلوم والمعارف، والثقافة، والتربية الفردية أو القومية، وتهذيب الأمة للأم، وعناية الوالد بالولد، وتمجيد آثار الجدود، وصيانة التقاليد في الأسرة والقوم والوطن، وكل ما تؤدي إليه معدات الحضارة الحديثة. كل تلك ترمي إلى غاية واحدة؛ وهي غرس بذور الحرية والشجاعة في قلوب الأمة، والاستهانة بالماديات في سبيل المعنويات، وتفضيل الحياة العليا المحفوفة بالمهالك على الحياة الدنيئة المحاطة بأنواع النعم والملذات.
وقد قام نزاع قديم بين علماء التربية وعلماء النفس على أي نوع من تربية الأطفال أصلح لتنميتهم على أرقى المبادئ وأسماها؛ حتى يصبحوا رجالا يعتمدون على أنفسهم، ويفضلوا الصالح العام على الصالح الخاص، ويقدموا منفعة الوطن على منفعة الأسرة والفرد.
فقالوا: تربية الأنجلو سكسون هي المثلى، وألفوا في ذلك كتبا منها: «سر تقدم الإنجليز السكسون»، وسبقه أميل روسو، وأميل القرن التاسع عشر، ثم قالوا: التربية الفرنسية أو الألمانية.
وإنهم لكذلك وإذا بتربية الحراج والغابات والهضاب ورءوس الجبال والخلاء والعراء تبذ كل هذه الأنظمة، مع أنها تربية لا تنطوي على برنامج دقيق لآداب المائدة، أو قواعد الرقص الحديث، أو بيان النظم التي تحتم لبس القمصان اللامعة، وسترات الأسموكنج والفراك. هذه التربية البعيدة جدا عن حياة الصالونات، والبعيدة جدا عن «نفاق المجتمع المثقف ثقافة عليا» بذت جميع مظاهر الحضارة الأخرى في وجوب الدفاع عن كيان الأمة التي ينتمي الفرد إليها.
وإن أوروبا التي تعيب على الحبشة ما تعيبه حتى يصفها بعض المتعنتين أنها لا تستحق وصف الأمة، ولا تسمو إلى عضوية جامعة الأمم، تتناسى وتتجاهل أن الحبشة قضت أكثر من ثلاثة قرون منعزلة عن العالم المتمدن، ومحاطة بقبائل معادية تقطن الأراضي الجرداء، والصحاري الصخرية الملتفة حول الهضبة الخصيبة التي أوت إليها النواة الأولى التي تكون منها الشعب الحبشي، وأن هذا الهامش الصخري الأجرد الخالي من كل عناصر الحياة ومظاهرها ليتسع حتى يبلغ ثلاثمائة ميل أحيانا، فهو نطاق فظيع قاس ضربته الطبيعة بيد من حديد، وجعلته حائلا لا يغلب. عدو من الحجر الصلد، وحارس لا ينام وإن كان من جلمود الصخر.
وفي تاريخ الأمم وأخلاقها ساعات حاسمة، ومواقع فاصلة، فتمتاز أمة عن الأخرى وتفضلها بالطريقة التي تقابل بها صروف الدهر في تلك الساعات، وهاتيك المواقع، ومثلها في ذلك مثل الأفراد لدى الشدائد والملمات، فنرى أمة يهولها اعتداء الأجنبي عليها، ويفت في عضدها، ويضعف من نخوتها، وينهك من قوة إرادتها، وما تزال تنحط وتتهالك وتنحل عناصرها حتى تتوارى وتهلك.
وهذه أمة غير صالحة للبقاء، وعاجزة عن الكفاح في سبيل الوجود، وهي أمة كتب عليها الفناء، وحكم عليها بالنفاد، ولا فرق في ذلك بين أمة قديمة أو حديثة، عريقة أو طارئة، متدينة بدين منزل أو وثنية، شرقية كانت أو غربية.
وهناك أمة تزداد قوة كلما تعرضت للآلام، وتنمو فيها الفضائل الدفاعية والهجومية كلما اعتدى عليها الأغيار، أو قبض على خناقها القرباء، تتيقظ فيها فكرة المجد كلما حاقت بها الأخطار، وتدب فيها حيوية جديدة كلما حاول عدوها إدناءها من الموت، وتسري في أعضائها دماء جديدة، وتجري في أعوادها أمواه الحياة.
ومن هذا النوع الثاني أمة إثيوبيا، فقد كانت نتيجة احتكاكها أثناء القرن التاسع عشر احتكاكا سياسيا، تارة تسوق إليه الصداقة، وطورا يؤدي إليه العداء مع ثلاث ممالك من أهم ممالك العالم، وهن مصر وبريطانيا وإيطاليا، أن أفادت الحبشة من التقبيل والضم مرة، والتصادم والتلاحم أخرى، والرمي بالورد والهدايا تارة، والتراشق بالنبال والسهام طورا، أنها جمعت كلمتها، ولمت شملها، وتعلمت من سياسة هذه الدول الثلاث - وقد كانت كل منها إمبراطورية في عصرها - ومن ضروب سياستها وفنون حروبها ما جعلها في نهاية القرن التاسع عشر تخرج ظافرة قاهرة غالبة فائزة رافعة علم الحرية تحت لواء منليك الأول، أحد ملوكها.
وكان يعرف من قبل بملك شوا، وقد صار نجاشي الحبشة وإمبراطورها بعد أن أخضع تيجريه، ولاستا، وأمهرا، وجوجام، وعناريا، وجراجحة، وولموا، وجيما، وغيرا، وجوما، وليكا، وواليجا، وكافا.
Page inconnue