Entre religion et science : Histoire de leur conflit au Moyen Âge à propos des sciences astronomiques et géographiques
بين الدين والعلم: تاريخ الصراع بينهما في القرون الوسطى إزاء علوم الفلك والجغرافيا والنشوء
Genres
ولم يكن تشبث «كالفن» بفكرة قبول النص الحرفي لرواية الخلق في سفر التكوين، بأقل من تعنت «لوثر»، ولقد أنذر الذين يجرءون على الاعتقاد بوجهة من النظر تخالف ما يذهب إليه بأنهم بذلك إنما «يسيئون الخالق، وأنهم يكونون على نظرة من قاض عدل ينسفهم نسفا.» ولقد مضى معتقدا بأن كل أنواع الحيوانات قد خلقت في ستة أيام كل منها نهار وليل، وأنه لم يظهر منذ ذلك العهد أي نوع جديد على إطلاق القول. ولقد قال بأن الطيور قد استحدثت في الماء، ذاكرا أن هذا القول تجيزه بعض نصوص من الكتب المقدسة، ولكنه يضيف إلى ذلك «بأنه إذا كان لا بد من أن يجاب على هذا السؤال من ناحية القواعد الفوسيقية؛ فإننا نعرف أن الماء أكثر قربا للهواء منه للأرض.» ولقد علل بعض الصعاب التي واجهته في لزومه لظاهر رواية الخلق كما وضعت في الكتب المقدسة بقوله إن الله «رغب بتلك الصعوبات أن يبرهن لنا على قوته وسلطانه، فأفرغ علينا الدهشة والعجب.» ولقد تشبثت بهذه الفكرة كل العقول الفذة في الكنيسة الرومانية. وفي القرن السابع عشر أسبغ «بوسويه»
Bossuet
عليها من ضياء عقله الكبير أنوارا كستها أبهى الحلل. ففي كتابه «أبحاث في التاريخ العام»، ذلك الكتاب الذي ظل القاعدة الأساسية، لا للتعاليم اللاهوتية وحدها، بل لكل التعاليم التاريخية في فرنسا حتى عصر الجمهورية الأخيرة، نجده وقد عمد إلى تنبيه الأذهان إلى ما يعتبره آخر ما نزل به الوحي في حقيقة الخلق، مؤيدا القول الحرفي بأن الأرض لم تخلق إلا للإنسان «وأن يد الله هي التي تحفظ على المادة القابلة للفوضى نظامها المحكم المرسوم.»
ولم يكن تعنت البروتستانت في التمسك بهذه الفكرة بأقل من تشبث الكنيسة الرومانية. ففي القرن السابع عشر حاول الدكتور «جون ليتفوت»
Dr. John Lightfoot - وكيل جامعة كمبردج ومن أكبر من اشتغل بالعبرانيات من أبناء عصره وأثبتهم فيها قدما - أن يوفق بين أسطورتي الخلق في سفر التكوين فقال «بأن أنواع العجماوات النظيفة قد خلق سبعة من كل منها، ثلاثة أزواج للتوالد، والفرد السابع ليضحي به آدم عند هبوطه من الجنة، كما سبق في علم الله.» وزاد إلى هذا أن العجماوات القذرة لم يخلق منها إلا زوج واحد من كل نوع.
ولقد كان لزوم هذه التصورات لظاهر ما جاءت به الكتب المقدسة كبيرا، حتى إننا مهما بلغ بنا الخيال وسما بنا الوهم في هذا الزمان، فإننا لا نستطيع أن ندرك إلى أي حد بلغ بهم الإكباب على لزوم النص الحرفي لهذه الآيات. ولقد مثل الواحد القهار في كل ما ظهر من كتب اللاهوت وفي الأناجيل المصورة وفي كل كتب الفن على اختلاف ألوانها في صورة مكبرة يحف بها الجلال ولكن على نمط صانع من صناع «نورمبرج» الذين يحترفون صنع الدمى وألاعيب الصبية. ولقد مرت أزمان مثل فيها للعبارات التي وردت في سفر التكوين بصور أشد من هذا لزوما لظاهر النصوص. فاعتمادا على عبارة معروفة في المتون المقدسة مثل الخالق في صورة حائك جالس والإبرة في يده، مجدا كل جد في أن يحيك من جلود الحيوانات سترا لآدم وحواء. على أن مثل هذه الأمثولات لم تكن لتعترضها أية صعوبة تحول دون ولوجها إلى ثنايا العقول في القرون الوسطى. وفي عصر الإصلاح البروتستانتي وبنفس هذه العقلية وخضوعا لهذه الروح، قيل - عندما بدأ استكشاف الحفريات يغزو نواحي الفكر بموحيات جديدة - بأنها «لم تكن إلا نماذج لعمله، وافق المهندس الأعظم على بعضها ولم يوافق على البعض الآخر»، أو أنها «تصاميم لصور من المخلوقات سوف تخلق في المستقبل»، أو أنها «من ألاعيب الطبيعة»، أو أنها أشياء بثت في طبقات الأرض لتستثير عجب الإنسان. وما زالت أمثال هذه التعليلات تنتقل في منازل البقاء شاقة لنفسها طريقا في بحور الزمان، حتى إن عالما طبيعيا من الإعلام في عصرنا هذا - وقد استثارته الحماسة وأخذته الغيرة على أن ينجي من الزوال طريقة الإكباب على النص الحرفي لسفر التكوين - قد عمد إلى الاعتقاد بأن الله قد لوى الطبقات الجيولوجية ليا وصدعها تصديعا، ثم أمالها وعقصها بعد أن نثر في جوفها صور الحفريات وخدش في ظاهرها خدوشا تمثل المجاري الجليدية، ونشر من فوقها العلامات التي تدل على التآكل الذي تحدثه المياه، ثم أمر شلالات نياجرا بأن تنصب بكل ما يتصور من قوة، وأن كل هذا تم في برهة واحدة، بل في غمضة عين؛ وبذلك ألغز الدنيا وحوطها بالأسرار؛ «لغرض لا يمكن تعليله، ولكن ليظهرنا على جلاله وعظمته.»
أما الناحية التي مضت فيها العقلية اللاهوتية، وكان لها فيها تطور ونشوء، فانحصرت في تقسيم مملكة الحيوان.
من الطبيعي أن يكون الفرق بين المخلوقات المفيدة والمؤذية من أبكر التقاسيم التي يقع عليها العقل النازع إلى البحث والتنقيب؛ لهذا قام في العقول سؤال فذ: كيف أن إلها خيرا حكيما يخلق النمور والأفاعي والشوك والقتاد؟ أما الجواب فقد عثر عليه في الاعتبارات اللاهوتية قائما على فكرة الخطيئة، فقيل بأنه عندما وقعت خطيئة الإنسان الأولى حقت على الإنسان كل الشقاوات، وكتبت عليه كل المصائب. وظل رجال من أعظم من أقلت الأرض نهى وحكمة يؤيدون - على مدى ثمانمائة من الأعوام الطوال - نظرية أنه قبل معصية آدم لم يكن موت، فلما وقعت المعصية تبعتها الوحشية والتقتيل.
على أن بعضا من الأقوال التي تمثل الأساليب التي تطورت فيها هذه الفكرة جديرة بأن نعرض لها بذكر؛ فإن القديس «أوغسطين» بكثير من الطلاوة وحسن السبك قد أيد بل أكد حقيقة القول بأن عالمي الحيوان والنبات قد صبت عليهما اللعنة استتباعا لخطيئة الإنسان. وبعد أن قيل هذا القول بقرنين من الزمان، وبعد أن ظل متنقلا من قديس إلى قديس، ومن لاهوتي إلى لاهوتي انحدر إلى عصر «بيده» وهناك قبض عليه هذا اللاهوتي وتشبث به، لا لشيء إلا ليقول بأنه قبل سقوط الإنسان كانت كل الحيوانات وادعة غير مضرة، ولكنها أصبحت بخطيئة آدم إما مسمة وإما مفترسة ثم قال: «لهذا خلقت الحيوانات المفترسة والحيوانات المسمة لتزعج الإنسان - لأنه سبق في علم الله أن الإنسان سيخطئ ويعصي - حتى يكون على حذر من أن يناله عقاب جهنم الأخروي.»
وفي القرن الخامس أدمج «بطرس لومبارد» هذا الرأي في كتابه اللاهوتي الكبير الذي أسماه «الجمل»
Page inconnue