وجاءت سانتي ثاني يوم، ولا أدري كيف دخلت في الموضوع، وأظنني قلت لها في أواخر الجلسة إن أحد أصدقائي قد كلفني بكتابة قصيدة ليرسلها لفتاة أجنبية يعرفها، وحائر كيف يكشف لها عن ذات نفسه.
وحين قلت هذا ابتسمت ابتسامة بدت عادية، ومع هذا كنت متأكدا أن ابتسامتها تعني أنها تعرف من الذي كتب القصيدة ولمن كتبت.
قلت: أقرؤها عليك؟
قالت بلهجة لا انفعال فيها: اقرأها.
واستمعت إليها منكسة الرأس مصغية، وحين انتهيت نظرت إليها لأرى وقع القصيدة عليها، ولكن وجهها بقي لا ينفعل، فقلت أستحثها: ما رأيك فيها؟
قالت: كويسة.
لم تقلها بالعربية، ولكنها قالتها بكلمة إنجليزية لا تعبر عن استحسان أو عدم استحسان ولا أي إحساس خاص بالمرة.
وقضينا ما تبقى من وقت في حركات لا تستقر، أقف أنا وأتمشى، وتقف هي وتبتسم، وتأخذ كتابا من المكتبة تقرأ عنوانه ثم تضعه وتعود للجلوس، ونبدأ نقاشا حول موضوع ثم ينتهي منا ونقول أشياء كثيرة لا معنى لها، وأحيانا يفلت الزمام ويلمح الواحد منا نظرة ذات معنى في عين الآخر، فلا يجرؤ على مواجهتها. كان واضحا أننا نريد أن نحافظ على وقارنا الاجتماعي. وكنت من ناحيتي أريد أن أثبت لها أن القصيدة فعلا ليست لي، وكانت هي الأخرى تريد أن تؤكد لي أن كلامي صحيح وأني حقيقة لا أعنيها.
ودخنا يومها كثيرا.
وكانت لسانتي طريقة في التدخين تعجبني، كنت أشعل لها الكبريت فتمد فمها الدقيق وفيه السيجارة وتجذب نفسا، ثم تلتفت إلى الناحية الأخرى وتنفثه بينما وجهها يحفل باحتقان وردي مفاجئ يزغلل العينين. ونظل نطفئ السجائر ونشعل غيرها إلى أن تستأذن سانتي وتعلق حقيبتها في كتفها وتمضي.
Page inconnue