وأصبحت الساعة الثالثة.
ونشب في نفسي جدل عنيف. آلاف الأشياء تؤكد أنها قادمة.
وآلاف الأشياء تؤكد لي أنها ذهبت من حياتي إلى الأبد ولن تعود.
وأنا فرح لأني سأشقى وأحزن، وحزين لأني قد أفرح، ساخط على نفسي أشد السخط لأني تركت أبي العجوز وإخوتي وكل الناس الذين يحبونني وجئت لمقابلتها، راض عن نفسي لأني نبذت الواجبات الجوفاء وخرقتها وأقدمت على عمل أحقق به رغبة هي من حقي أنا وبجماع نفسي أريدها.
ومضت الدقائق، أتمنى أن تمضي سريعة لتوصلني إلى اليأس وتريحني، ولكن أعود وأرجو أن تبطئ علي قدر ما تستطيع حتى لا ينقطع خيط الأمل.
كان أمام السينما منتظرون آخرون. كان اليأس يخطفهم واحدا إثر الآخر حتى لم يبق سواي. واضطررت لأتلافى الأنظار أن أغدو وأروح أمام باب السينما وعيناي تفتشان شارع سليمان كله بحثا عن فتاة صغيرة سريعة الخطوات وجهها حلو صغير فيه بسمة لا تنطفئ.
أروح وأجيء في خطوات كلها قلق وترقب، وكأني طالب ينتظر نتيجة امتحانه الأخير، تبلغ به ثقته بنفسه أشدها أحيانا، وأحيانا تضعف وتتلاشى إلى الدرجة التي يكاد يمد يده فيها إلى المارة يستجدي منهم بعض الثقة في نفسه . تلك اللحظات التي تضع فيها آراءك وأحلامك لأيام طويلة موضع الامتحان وتتساءل: ترى هل كنت محقا أم كان ما أحيا فيه وهما كبيرا؟
واقتربت الساعة من الثالثة والنصف.
وظهرت سانتي.
كانت ترتدي جيب أسود وجاكيت من نفس اللون.
Page inconnue