قال ابن القيم: فحسب العقول الكاملة أن تستدل بما عرفت من حكمته على ما غاب عنها، قال: وما يخفى على العباد من معاني حكمته في صنعه وإبداعه وأمره وشرعه فيكفيهم فيه معرفتهم بالوجه العام أن يضمنه حكمة بالغة وإن لم يعرفوا تفصليها، وأن ذلك من علم الغيب الذي استأثر الله بعلمه، فيكفيهم في ذلك الاستنقاد إلى الحكمة العامة الشاملة.
وقال في الكاشف في تفسير قوله تعالى:{ الذي خلق السماوات والأرض وما بينهما في ستة أيام}: وأما الداعي إلى هذا العدد دون سائر الأعداد فلا شك أنه داعي حكمة لعلمنا أنه لا يقدر تقديرا إلا بداعي حكمة وإن كنا لا نطلع عليه ولا نهتدي إلى معرفته، ومن ذلك تقدير الملائكة الذين هم أصحاب النار تسعة عشر وحملة العرش ثمانية، والشهور اثنا عشر، والسموات سبعا، والأرض كذلك، والصلوات خمسا وأعداد النصب والحدود والكفارات وغير ذلك، والإقرار بدواعي الحكمة في جميع أفعاله وبأن ما قدره حق وصواب هو الإيمان، وقد نص عليه في قوله: {وما جعلنا أصحاب النار إلا ملائكة وما جعلنا عدتهم إلا فتنة للذين كفروا ليستيقن الذين أوتوا الكتاب ويزداد الذين آمنوا إيمانا ولا يرتاب الذين أوتوا الكتاب والمؤمنون وليقول الذين في قلوبهم مرض والكافرون ماذا أراد الله بهذا مثلا} ثم قال: {وما يعلم جنود ربك إلا هو}.
Page 10