Exposé sur la civilisation et les causes de l'urbanisation
البيان في التمدن وأسباب العمران
Genres
قال مؤلف «المخترعات العجيبة»: أما صنعة النسج، فقد كانت معروفة في بلاد الصين من قبل أن تعرف في أوروبا بدهر طويل، والغزل عندهم والنسيج إنما هو من شغل النساء. وأول من صنع ثياب الصوف في بلاد الإنكليز رجلان قدما من برايان، ثم قدم من هولاند صباغون وبزازون وصناع للحرير، وشهروا هذه الصنائع بين الأهلين وذلك في سنة 1567. ثم قال في عبارة أخرى: «وإذا نظرنا في أحوال إنكلترا هذا القديم وجدنا أن ملابس أهلها إنما كانت من جلود الحيوانات، وإن ثياب زعمائهم لم تكن إلا من الكرباس الخشن كأنما هو مسح حتى إن الفرسان الذين تنوه بهم التورايخ كانوا إذا نزعوا عنهم الدروع اللماعة يشف عنها ثياب الجلد. فلما عرف النسج في الأعصر المتأخرة كان الغزل كما لا يخفى من صنع النساء، وبقي الحال على ذلك دهرا طويلا إلى أن قيض الله أرك ريت وألقى في روعه استنباط آلة للغزل تكون دائمة الحركة، فوفق إلى ذلك ونجح ما أمكن. » قال: «ولد أرك ريت المذكور في سنة 1732 وبقي إلى سن ستة وثلاثين من عمره خامل الذكر مشتغلا بالحلاقة، ولم يكد يحصل من حرفته شيئا زائدا على قوت يومه، إلا أنه كان ذا فكر صائب في جر الأثقال، فما زال يعمل فكره في اختراع آلة الغزل حتى تسنى له ما قصده لكن بعد صعوبات شتى. فلما اشتهر مخترعه أجازت له الدولة أن يستبد بمنافعه إلى مدة مديدة، فأنشأ معملا في دربي. ولم تمض عليه مدة حتى أحرز أموالا طائلة وطار ذكره بين الناس فحدث في استنباطه هذا في أشغال النسيج تغيير عظيم من تنقيص الصناع وترخيص سعر الثياب.» ا.ه.
أقول إنما أحببت إيراد هذه الجملة لما بها من العبرة لكل عاقل يرى كيف أن الإنكليز، والأجدر أن يقال جميع أوروبا بعد لبسهم المسوح والصوف الخشن، أصبحوا من التمدن في درجة خولتهم التفنن بملابس الحرير والتنعم في ظلال الرفاهية ورغد العيش، وكيف أن الهمم البشرية تخرج بالإنسان من حضيض الجهل إلى ذرا المجد وكمال التقدم، فإن ما بلغته الأمم الأوروباوية الآن من التمدن والمعارف والتفنن بالعلوم والصنائع قد جعلها أغنى العالم وأعظمهم قوة، والفضل في ذلك لذوي العقول الفادحة من علمائهم ومخترعيهم الذين ما تركوا من صعاب الأمور شيئا إلا وذللوه بما اخترعوه من الآلات والأدوات والصنع العجيبة والتسهيلات الغريبة، وأخصها قوة البخار التي سارت بها السفن البخارية والسكك الحديدية وتوفرت بسببها نتائج الأشغال التجارية، وكثرت المعامل الصناعية وقرب تواصل الأبدان والبلدان إلى غير ذلك من المنافع التي تبرهن عن مزيد تقدمهم بالمعارف وعلو هممهم.
قالوا: إن أول مخترع لآلة البخار مركيز ورسستر الإنكليزي، وذلك في زمن شارلس الأول في سنة 1663، وأول تجربة أجراها كانت في مدفع وذلك بأن ملأ نحو ثلاثة أرباعه ماء ثم سد خرقه وفمه وأدناه من النار نحو أربع وعشرين ساعة فانفلق بدفع شديد فدله ذلك على أن قوة البخار أعظم مما يدركه الإنسان. وروي عنه أنه قال: «قد جعلت الماء ينبعث من الجدول ارتفاع أربعين قدما والإناء الذي فيه بخار يرفع أربعين إناء ملئت ماء.» إلا أن ما أنتجته فكرته لم يكن كافيا للحصول على تمام تلك القوة، أو لأن الناس في زمانه لم يكترثوا بذلك . ثم في سنة 1690 فكر في شأنها المهندس داينس بابين الفرانساوي الذي ينسب له الفرنسيس ذلك الاختراع، إلى أن ركب في سنة 1695 الآلة البخارية يلبستون وهو شيء يشبه مدق المكحلة، ثم قام مترنيسو كومن ومستر كين فتزجرالد وهودون بلور ووط وبلطون، وبعد ذلك قام القبطان شانك فأنشأ سفينة لتسافر إلى كندة في مدة حرب الأمريكانيين ونجح. وفي سنة 1681 اخترع يابان آلة من هذا القبيل، ثم قام صفري فصنع أداة لإصعاد الماء وذلك في سنة 1698. ثم قام غيرهم وكل منهم أتقن شيئا أو زاد فيه.
قالوا: وأول باخرة أنشئت في إنكلترا كانت في سنة 1815، وفي إرلاندا سنة 1820، وأول باخرة سافرت إلى بلاد الهند كانت في سنة 1828، وكان إنشاء البواخر الحربية في إنكلترا سنة 1833. وفي سنة 1775 صنع الماكنجي بريا الفرانساوي الآلة المذكورة وألقاها على وادي دوب بفرانسا، وفي سنة 1781 ألقى على وادي صون بفرانسا أيضا سفينة كبيرة من ذلك النوع. وفي سنة 1803 قام بباريس فلطن الأمريكاني ووضع على وادي سون أول وابور تام بالعجلات وذلك بمعونة أحد أبناء وطنه ويدعى ليونسطن. ولكن لم يتم هذا العمل المفيد بفرانسا لعدم اعتناء الدولة به في ذلك الوقت، ولما آيس فلطن من نجاح سعيه هناك حمل مخترعه إلى وطنه في أمريكا وأشهره بها، ويقول أهل فرانسا: إن من سوء البخت عدم انجذاب بال الدولة في ذلك الوقت لهذه النتيجة الباهرة. ا.ه.
وحيث ورد معنا في معرض الكلام ذكر المدفع، فلا بد من إيراد بعض أقوال تتعلق بتاريخ اختراعه. قال في «كشف المخبا»: «زعم بعض أن استعمال المدافع كان في سنة 1338، وزعم بعض أنها عرفت في حرب كرسي وذلك في سنة 1346، وقيل: إن الإنكليز استعملوها في حصار كالي سنة 1347. وقال بعضهم: إن برنس والس المعروف بالأسود لسواد درعه وريشته انتصر على فيليب فلوي ملك فرانسا عند نهر سم، وكان من أقوى الأسباب التي أعانته على ذلك بعض مدافع كانت مع عسكره، فإن المدافع لم يشهر استعمالها قبل تلك الواقعة إلا بنحو اثنتي عشرة سنة ولم يعلم من كان المخترع لها.» ا.ه.
وفيليب المشار إليه ولي الملك في سنة 1328. ويوجد في برج جرمانيا مدفع طوله ثمان وعشرون قدما ونصف قدم ووسع قطريه قدم ونصف، ووزن كلته مائة وثمانون رطلا وملؤه من البارود أربعة وتسعون رطلا ويعلم من نقش رسم عليه أنه صنع في سنة 1529.
فأما إحداث البارود فكان قبل استعمال المدافع بعشر سنين وذلك في سنة 1336، يعني إحداثه في أوروبا؛ لأن البارود كان معروفا عند الصينيين من قبل المسيح، لكن كان استعماله للصلاح لا للتدمير كتمهيد الطرق ودك التلال ونحو ذلك. وظن بعضهم أن مخترع البارود راهب من بروسيا اسمه مخائيل شوارتز، ولعله نقله عن العرب كما نسب البعض اختراعه إليهم، وإن صح ذلك فإنهم هم أيضا نقلوه عن الصينيين.
هذا وفي سنة 1544 استعمل فرسان الإنكليز الفرد - أي: الطبنجة - ومن أعجب ما اخترعه الأوروباويون سلك البرق - التلغراف - الذي نشأ عنه من الفوائد وتسهيل الأشغال ما لا ينكر فضله، فمن كان يصدق أن خبرا يستدعي تبليغه من بلد لآخر سفر عشرة أو خمسة أيام أو أقل أو أكثر يبلغ ويأتي جوابه بدقائق قليلة من الزمن؟! فهذا لعمر الحق لمن أعظم ما يحق لمخترعه الذكر وألا ينكر فضل اختراعه مدى الدهر لما به من الفائدة العظيمة بتبليغ الأخبار تجارية كانت أو سياسية بأسرع من شرب الطير. وإذا أردنا استقصاء فوائده يكل عنها القلم مع أنها أشهر من نار على علم.
وأما اختراعه فقد كان على ما ذكره في «كشف المخبا» بعد تعب فكر وجهد روية، ففي سنة 1794 نصب ريزر تلغرافا يمكن استعماله إلا إنه أقل فائدة من المستعمل الآن، وقد كان قبل ذلك استدل العلماء على إمكان تبليغ خبر من بلد إلى آخر بأسرع وقت حين استعمل فرنكلين الأمريكاني الطيارة المعروفة بالبالون وظهر له خاصية الكهربائية البرقية، وذلك إنه صعد بتلك الطيارة في يوم ذي دجن وكان قد ربط مرستها إلى وتدين وأناط بها مفتاحا، فلما غشيها الغمام وجد أن بعض خيوطها قد تنفش وتجافى عن بعض منتصبا فأدنى برجمته من المفتاح فأحس بشرر البرق. فتبحر العلماء من ثم في إيجاد طريقة لتبليغ الأخبار للمحلات الشاسعة بواسطة أداة، واكتشفوا على أشياء تناسب ذلك. إلى أن وضع ريزر التلغراف المقدم ذكره.
ثم قام بعده من صحح وأتقن هذه العملية إلى سنة 1837 قام الدكتور كوك وويتسطون وأخذا رخصة من الدولة لإجراء هذه العملية في بلاد الإنكليز. وفي سنة 1842 نصب المستر ود الأسلاك على دعائم، وقد كانت من قبل في الأرض تمر من حلق من الفخار وبذلك سهل نصب الأسلاك غليظة من الحديد بدل النحاس فنقصت المصاريف نحو النصف، وهكذا ما زال العلماء يجتهدون بتحسينه وإتقانه حتى استعمل كما نراه الآن، وامتد استعماله في إنكلترا ثم فرانسا وجميع أوروبا، إلى أن وصل إلى المشرق، وهم لم يزالوا يوجدون طرقا سهلة لاستعماله ويتفننون بتنظيمه وإتقانه. ويا لها من مأثرة عظيمة وفائدة عميمة!
Page inconnue