Le Héros Conquérant Ibrahim
البطل الفاتح إبراهيم وفتحه الشام ١٨٣٢
Genres
أما الأسطول الذي جدده المهندس الفرنساوي «سيرزي» ونظمه «بيسون» بعد احتراق الأسطول في فرضة نافارين، فقد ركبه إبراهيم باشا من الإسكندرية إلى يافا، وكان أركان حرب الحملة مؤلفا من عباس باشا حفيد محمد علي، ومن إبراهيم باشا ابن أخيه، ومن سليمان بك - الكولونيل سيف - ومن أحمد بك المنيكلي.
وكان هذا الأسطول مؤلفا من خمس سفن كبيرة تبعتها السفن الصغيرة في مدى أربعة أيام، فلما رسا الأسطول قبالة يافا نزل وجهاؤها وعرضوا على إبراهيم تسليم المدينة، وكانت حاميتها 250 جنديا، فأنزل بلوكا لاستلامها وأبقى المتسلم حاكما عليها. وجاءته حامية غزة مسلمة، واستولى على مدافع قلعة يافا، وكانت 47 مدفعا مع الذخائر، وأخذ بعض رجال البحر من أهل يافا لإرشاد الأسطول في مياه عكا، ووصل إليه وهو في يافا أن أهل الشام قتلوا رجال الحكم من الترك، واختاروا خمسة منهم لإدارة الأعمال، إلى أن يصل إليهم إبراهيم «سر عسكر» الجيش العربي - كما كان يلقب نفسه - ويوقع أوامره ورسائله إلى أهل تلك البلاد.
ولما ضرب الجيش البري النطاق حول عكا قام الأسطول بحصرها بحرا وقوامه خمس سفن كبيرة وعدة فرقاطات كانت صغيرة، وكانت جملة الجيش ومجموعه 24 ألف مقاتل.
إبراهيم باشا.
أما حامية عكا فكان عددها ستة آلاف مقاتل من الرجال الأشداء، يقودهم بعض الضباط المهندسين من الأوروبيين. وكان سور المدينة منيعا وسلاحها من أقوى الأسلحة. وبعد أن أحكم إبراهيم باشا النطاق حول المدينة برا وبحرا أخذ في 9 و10 ديسمبر يرميها بالقنابل من كل جهة. ولم تكن تلك القنابل يومئذ سوى قنابل من كتل الحديد والفولاذ المستديرة، لا تنفجر بل تدك وتهدم، وكثير منها لا يزال موجودا إلى الآن في ميادين القتال التي قاتل فيها إبراهيم باشا، وقد استخدمه الأهالي لرص الطرقات. واستمر ضرب المدينة برا وبحرا من الفجر إلى المساء، فألقي عليها في يوم واحد عشرة آلاف كرة وثلاثة آلاف قنبلة، وقد رووا أن فرقاطة واحدة مصرية ألقت 3700 قنبلة. أما حامية عكا فإنها كانت تقتصد بالذخائر كل الاقتصاد لعلمها بأن المدد قد لا يصل إليها سريعا من البر أو من البحر، لا كما كان أمرها يوم حاصرها نابليون قبل حصار إبراهيم بنحو اثنين وثلاثين سنة؛ لأن الإنكليز كانوا يومئذ يمدونها بالذخائر من البحر.
سيرزي بك مؤسس البحرية المصرية.
وأصيب بعض سفن الأسطول المصري، فعاد إلى الإسكندرية لإصلاح ما حل به من التلف. وفي 19 ديسمبر نصب جيش إبراهيم مدافع الحصار وأخذ بإطلاقها على المدينة التي ظلت على المقاومة حتى آخر يناير، وحينئذ تبين لإبراهيم باشا أن الحصار طويل، فأرسل إلى الأمير بشير الثاني الشهابي - الذي قلنا إنه جاء مصر ونزل في ضيافة محمد علي - ليوافيه إلى عكا، فتأخر قليلا؛ لأن والي حلب - وكان وزيرا كبيرا - طلب منه مقاومة إبراهيم باشا ورده عن سوريا، «فإن لم يفعل يدك لبنان دكا ويبيد سكانه.» ولما تأخر الأمير بشير عن المجيء إلى عكا كتب إبراهيم إلى والده عن تأخره، فكتب محمد علي إلى الأمير كتابا يلومه فيه عن تأخره ويهدده بأنه «إذا خالف عهده معه ووعده له يخرب مساكنه ويزرع في أرضها تينا.»
وقبل وصول كتاب محمد علي إلى الأمير بشير، كان هذا قد ركب من مركزه بلبنان بمائة فارس إلى عكا، وقبل أن يصل إليها التقى برسول محمد علي ومعه ذلك الكتاب، فواصل سيره حتى وصل إلى سهل عكا، فخرج إبراهيم باشا بأركان حربه وبشرذمة من جيشه لمقابلته وأمر بإطلاق المدافع تحية له، فدخل معسكر إبراهيم بموكب عظيم. وكتب إبراهيم باشا إلى والده خبر وصول الأمير قبل أن يتلقى كتابه، فكتب إليه محمد علي يمتدح صدقه وإخلاصه. وحدث إبان ذلك أن عبد الله باشا رفع الأعلام البيضاء فوق أسوار عكا دلالة على التسليم، فأرسل إليه إبراهيم باشا رسله، وبينما كانوا يتفاوضون بشروط الصلح قطع عبد الله باشا المفاوضة وعاد إلى القتال؛ لأنه تلقى من السلطان كتابا بأن المدد واصل إليه على جناح السرعة، لأن الأوامر كانت قد صدرت إلى الولاة بجمع الجنود لقتال إبراهيم باشا ورده عن عكا. فبعد قطع المفاوضة عاد إبراهيم إلى ضرب القلعة، وحينئذ أرسل الأمير بشير إلى ولده الأمير خليل بأن يحضر إلى عكا، فحضر وتلقى منه الأمر بجمع الرجال اللبنانيين. وأرسل محمد علي إلى إبراهيم بأن يعطي الأمير بشيرا إيالة صيدا، وأن يجعل في يده تصريف أمور المتسلمين وأصحاب المقاطعات. وأرسل إبراهيم باشا الأمير خليلا بألف مقاتل لبناني إلى طرابلس ليقطع الطريق على محمد علي باشا سر عسكر السلطان الذي كان قد وصل إلى حمص، وفي الوقت ذاته وصل القائد التركي عثمان باشا إلى اللاذقية معينا على طرابلس ومعه خمسة آلاف مقاتل، فقبض الأمير خليل على بعض مراسلاته مع مشايخ البلاد وأرسلها إلى والده في عكا، فأمر الأمير بشير ولده أمينا بجمع الرجال، وأرسل إلى «زحلة» الأمير قاسما لجمع المؤن لجيش إبراهيم باشا ومعه ألفا لبناني. وفي أثناء ذلك أرسل إبراهيم باشا أربعة آلاف رجل إلى طرابلس مددا للأمير خليل، ولكن عثمان كان قد وصل من اللاذقية قبل وصول المدد، فقاتله الأمير خليل حتى كسره، وقبض على القاضي والمفتي اللذين كانا يراسلانه ليسلماه المدينة، وقصد إبراهيم باشا ذاته إلى طرابلس، فعند وصوله إلى البترون - وهي على مسيرة ساعتين من طرابلس - فر عثمان باشا ومن معه إلى جهة حمص، فصمم إبراهيم باشا على اقتفاء أثره إلى هناك، والتقى جيشه برجال والي الدين ووالي قيسارية وعثمان باشا فدحرهم وغنم ما معهم.
الأمير بشير الشهابي أمير لبنان.
أما عكا فإنها ظلت ثابتة على المقاومة، وأضر المطر والبرد بالجيش المصري إضرارا شديدا، ورأى إبراهيم باشا أن يكتفي بالحصار، فاستدعى إليه من الإسكندرية الكولونيل «روماي» الطلياني؛ لأنه اشتهر في حصار قلعة موسوليغي في بلاد اليونان، فوصل مع رفيقه كارتو - وهو كورسيكي - وألبرتيني - وهو إيطالي - إلى معسكر عكا في 2 فبراير، فغيروا شكل الحصار والضرب.
Page inconnue