3 نوفمبر 1956
الجرح
فاجأنا الريس حين طلب منا أن ننتظر. قالها بلهجته البحراوية وكان كلامه من لحظة أن عرفناه قليلا، وكان من نوع لا يرحب بالجدل ومع أن كل شيء كان على أتم استعداد إلا أننا سكتنا كلنا ونحن متأكدون أن لا بد هناك ضرورة لهذا الانتظار غير أن حلمي لم يسكت. عوج وجهه. وأسبل جفنيه وقال للريس: إحنا مستعجلين ولزومه إيه الانتظار؟
يبدو أن كلامه تبدد. ولم يصل إلى آذان الرجل. فقد كان مشغولا بشيء ما يعدل من وضعه في (القلع)، وأحرج حلمي حين لم يتلق ردا على سؤاله فعاد يقول: مستنيين إيه يا ريس؟
ونطق الرجل كلمة، ولم نتبينها. فقد كان يمسك مسلة بشفتيه بينما يداه مشغولتان، والتفتنا جميعا نحوه، فرفع المسلة وقال: واحدة ست. ولا بد أن دهشة كبيرة انتابتنا، فقد تململنا. ونطق أكثر من واحد مرددين: إيه؟ ست؟ واحتج حلمي مخفيا غبطته قائلا: ست إيه، وده وقته؟ إنت مش فاهم ولا إيه يا ريس؟
وأجاب الريس والمسلة بين أسنانه هذه المرة. تقلب الزاي جيما. وتعطب الكلمات: لاجم ناكدها معانا.
وانهالت الأسئلة والاحتجاجات. وانتظر حتى فرغنا وقال: أنا حالف بالطلاق لازم آخدها.
وارتفعت أصوات احتجاجنا أكثر. فأكمل: دي ساقت علي الدنيا. وباتت مع مراتي عشان تضمن تيجي لغاية ما حلفت لها يمين الطلاق.
وأتبع كلامه بابتسامة يرضينا بها. كانت له سنة من بلاتين براق، وكان وجهه نحاسيا أسمر. ورموشه صفراء طويلة. واللاسة التي تعمم بها من حرير. وفانلته زرقاء من الصوف تنتهي بياقة مسدودة تحيط برقبته. وأكمام طويلة. وله سروال. - هه .. أنام أنا بقى.
قال حلمي هذا وتمدد. وأحدث تمدده انكماشات في الأرجل وثنيات هنا وهناك، وأصوات احتجاجات كان مبعثها أننا نعرف أنه لا يريد النوم بقدر ما يريد أن يرينا سخطه على الوقت الضائع.
Page inconnue