ودرامته أو مأساته «ورطة الطبيب» التي تناول فيها هذه الموضوعات قد كتب لها مقدمة تبلغ، في طبعة بنحوين 88 صفحة شرح فيها موقفه، وهو موقف الأديب الفيلسوف الذي يدرس العلوم في استقلال، ويدلي برأيه في شجاعة تقارب الوقاحة.
ألف برنارد شو هذه المأساة في 1906، أي قبل خمسين سنة.
وماذا كان الطب قبل خمسين سنة؟
اسأل هذا السؤال لأحد الأطباء هذا العام (1957) يجبك بأنه لم يكن شيئا، وأنه حين يصف دواء لأحد المرضى فإنه لا يجد واحدا من تلك الأدوية المألوفة قبل 1906 يمكن الاعتماد عليه الآن.
أذكر أنا طبيبا عرفته حوالي 1910 في إنجلترا، كان ينتمي إلى أصل إنجليزي لبناني، وكان يدعى الدكتور صليبي، وكان قد انقطع عن ممارسة العلاج بدعوى أنه ليس هناك دواء للأمراض، وأن كل معارفنا من الطب لا تبرر لطبيب ما أن يزعم أنه يعرف معاني الداء والدواء، أو أنه قادر على شفاء المرضى، وكل الطب في نظره، وهو نفسه طبيب مرخص، أمل يرجى فقط وليس عملا يمارس، واقتصر - كي يحصل على قوته - على تأليف الكتب في الدعوة إلى إصلاح النسل بما يسمى اليوجنية.
وما زلت أذكر طبيبا فلاحا كنت أجالسه وأجد الأنسة والنور في آرائه، وكان ذلك في الزقازيق حوالي 1915، وقد قلت إنه كان فلاحا لا لأنه كان يمارس الفلاحة فقط، بل أيضا لأن عقليته كانت ريفية عملية، يسأل عن النتيجة في الدواء للجسم كما يسأل عن النتيجة في السماد للتربية، وكان قد انتهى إلى مثل يضربه لكل من يأنس فيه القدرة على التفكير وحفظ السر، وهذا المثل هو قوله: «ليس في الطب غير ثلاثة أشياء يوثق بها، هي الشربة للإسهال، والكينا للملاريا، والسم للموت.»
أعمدة الجمعية الفابية الثلاثة: سيدني ويب، برنارد شو، بياتريس ويب.
چرانفيل باركر، برنارد شو، جالزورت، باري.
أما ما عدا ذلك فليس هناك دواء لأي مرض لآخر.
ولم يكن برنارد شو شاذا في هجومه على الطب والأطباء، فإن تولستوي وقف مثل هذا الموقف أيضا وسخر من الطب، ومن قبل شو سخر كثير من المفكرين، واختيار شو لأسلوب معيشته في الغذاء والنوم والعمل، وشذوذه في هذا الاختيار، هما ثمرة استقلاله الفكري، وقد عاش بهذا الأسلوب 94 سنة.
Page inconnue