هذه القوة تسير في تطور من أسفل إلى أعلى في الكائنات الحية، وهي عرضة للصواب والخطأ، وملايين الأحياء التي انقرضت - مثل الزواحف الكبرى قبل نحو ثمانين مليون سنة - برهان على أن المادة تسير في تجارب، تصيب وتخطئ، وليس بعيدا أن تتجه هذه القوة التطورية وجهة أخرى غير الوجهة التي انتهت بوجود الإنسان، فينقرض هذا أيضا ثم تسير هذه القوة التطورية نحو إيجاد «إنسان آخر» وإلى تجارب أخرى.
وعند برنارد شو أن هذه القوة هي الله، فكأن الله يصيب ويخطئ، وأنه دائم التجارب في الخلق، ولا يعني هذا القول أكثر من أن الدنيا والكون والإنسان والحيوان والنبات والمادة في تطور.
ونحن نجد هذه التعابير التالية مكررة في مؤلفاته: «ديانة التطور، شهوة التطور، الديانة البيولوجية، تطور الإنسان في المستقبل (بإرادة الإنسان) نحو السبرمان، رجل بلا دين هو رجل بلا شرف.»
ثم نجد أنه أوصى بألا يصلى عليه عند وفاته في كنيسة، كما أنه أوصى بإحراق جثمانه، وقد سبق أن فعل مثل ذلك مع زوجته، ثم يقول في أحد مؤلفاته إن الأمة اليقظة يجب أن تنقح ديانتها مرة كل عام على الأقل.
فكأن نظرته للدين إنكار للغيبيات جميعا، من إله منفصل عن المادة، إلى نعيم وجحيم بعد الموت، إلى أرواح، ثم فهم للدين على أنه إحساس بالتطور، وأن واجب الأمة، وواجب البشر، وواجب كل فرد منا - ونعني الواجب الديني - هو أن نتطور.
نتطور في الثقافة فنثابر على استيعاب المعارف وزيادتها، ونتطور في الصحة نعيش 500 أو ألف سنة، فتتعمق الحياة ونعني بالدنيا، ونتطور في الأخلاق حتى نولد بها أصيلة في كياننا النفسي وليست مكتسبة بالمرانة والتعليم بعد الميلاد.
وما أفهمه من الدين، كما أستخلصه وأستنتجه من برنارد شو، هو اليقظة إلى الوعي الكوني؛ أي ما هو موقفي من الكون والدنيا والبشر.
وزعماء الدين عنده هم موسى، والمسيح، ومحمد، وعمر، وأبو بكر، وغاندي، وتولستوي، وشفيتزر، وبرنارد شو، وسقراط، وابن رشد، ولنكولن، وتوم بين، وكارل ماركس، ولينين، وباستير، وجميع الفلاسفة والأدباء والشعراء والمفكرين والعلميين الذين خدموا الإنسان في زيادة حريته، وإنقاذه من رق العمل أو رق الأفكار، أو من الأمراض، أو من مظالم الاستبداد والاستغلال.
والذي أفهمه من ديانة برنارد شو أيضا أن الرجل الصالح في عصرنا ليس هو الأناني الذي لا يفكر إلا في إنقاذ نفسه ونجاتها بالصلاة والصوم، وإنما هو الذي يسعى لإصلاح البشر بإيجاد حكومة موحدة للعالم، وإلغاء الحروب، ومحو الأمراض، وتعمير الصحاري والجبال، وصيانة الأحياء والغابات، واختراع الوسائل لزيادة الثقافة والفهم والصحة والذكاء.
والذي أفهمه منه أيضا أن التعاون في الطبيعة أكبر من التنازع، وأن التعاون هو الوسيلة إلى التطور في الإنسان، وأننا يجب أن نأخذ بالتطور في إيجاد السبرمان، أي الإنسان الأعلى.
Page inconnue