هذه هي الفكرة الأولى عن السبرمان عند نيتشه: فكرة وجودية أساسها عظمة جوتيه الذي ارتفع في حياته حتى كاد يكون إنسانا أعلى فوق الإنسان العادي.
ثم درس نيتشه فكرة التطور من «داروين»، فقال: كما أن الإنسان أعلى من القردة التي ينتسب إليها، كذلك يجب أن يتطور البشر إلى السبرمان الذي يعلو على الإنسان.
ولكنه مع ذلك لم ينس جوتيه، بل لقد ذكر اسمه إلى جنب اسم داروين، ورفعه فوق داروين.
لقد كان جوتيه حبه الأول: حبه الأعلى، ولكن منذ داروين أصبحت فكرة السبرمان هي الفكرة الإيجابية في نظرية التطور؛ إذ عرفنا أن الأحياء على الأرض لا يزيد عمرها على 700 مليون سنة.
بدأت حقيرة كالفيروس الذي لا نستطيع أن ننظمه في الجزئيات المادية أو في عداد الخلايا الحية؛ فإنه يجمع بين خصائص الاثنتين، ثم «ترتقي» الأحياء إلى الخلايا المفردة، فالخلايا المشتركة في جسم واحد، فالأحياء الكبيرة مثل القناديل، ثم تشرع خصائص الحياة العالية تظهر في أعضاء الحواس، ثم يتفرع الأحياء فرعين أحدهما نحو المفصليات التي تنتهي بالحشرات والعناكب، واعتمادها الأكبر على الغرائز، والآخر نحو السمك الذي ينتهي بالإنسان واعتماده الأكبر على العقل.
وكان من المعقول المتوقع أن يتساءل الناس أو المثقفون: إذا كان هذا أصلنا فما هو مستقبلنا؟ أليس الإنسان حلقة في سلسلة طويلة من التطور مضت منها جملة حلقات وبقيت منها جملة حلقات أخرى هي تطور الإنسان في المستقبل؟
أو كما قال نيتشه: «الإنسان جسر تعبر عليه الطبيعة من القرد إلى السبرمان» و«الإنسان يجب أن يعلى عليه» و«الإنسان يجب أن يزول كي يأخذ مكانه السبرمان.»
الفكرة جليلة ومخصبة لأنها تبعث التفكير في كل وقت ومكان عن الإنسان الحاضر وإلى أين يتجه؟ هل هو يسير نحو الانقراض كما حدث للدينصور؟ هل هو وقف عن التطور؟ هل سيتطور إلى إنسان آخر أعلى منه؟ إلى السبرمان؟ •••
التطور عند برنارد شو ديانة، وكثيرا ما يقول: «ديانة التطور»، وهو الديانة البيولوجية القائمة على أصل الإنسان واتجاهه ومستقبل كفاءاته الجنسية والغريزية والذهنية.
والتفاتات برنارد شو إلى الناحية البيولوجية كثيرة، فإنه مثلا يقف عند قصة لوط وكيف خدعته ابنتاه حتى حملتا منه، فيشيد بهذا العمل ويجد فيه سموا لأن فيه دلالة البقاء بالتناسل، حتى ولو كان هذا البقاء يخالف العرف العام والأخلاق السائدة؛ إذ لو لم تسلك ابنتا لوط هذا السلوك لانقرضت سلالته، وهو حين يتحدث عن الزواج يقول بأنه - أي الزواج - ليس من حق كل إنسان، وأن الناس يسرفون في الإقبال على الزواج؛ إذ يجب أن يقصر على أقلية تتمتع بكفاءات إنسانية تستحق التخليد في الأبناء والأحفاد.
Page inconnue