La Banque Centrale à travers les âges
البنك المركزي في العصور المختلفة
Genres
والمسألة في نظري ليست مسألة مذهب يقصد لذاته، وإنما هي مسألة تخضع أولا وقبل كل شيء لظروف البلد نفسه؛ فإذا كانت ظروفه تجعل امتلاك حكومته للبنك لا ينتج ضررا قلنا بوجوب ذلك، وإذا كانت ظروف البلد - سياسية أو اقتصادية أو هما معا - تقتضي إبعاد الحكومة عن البنك، فلا بد لها من أن تبتعد عنه، وإذا كانت ظروف البلد تستلزم اشتراك الحكومة والأفراد والشركات في ملكية البنك وإدارته ليتكون من هذا المزيج توازن القوى، واشتراك في المسئوليات، وتعاون على النهوض بالاقتصاد القومي، فمن المحتم أن تقول بهذا النظام المشترك الذي يطلق عليه بعض الاقتصاديين النظام شبه الحكومي، ويسميه بعض الكتاب نظام التأميم الناقص.
وإذا تركنا روسيا ولها نظام تملك فيه بنكها المركزي بشكل يتفق مع الأوضاع الشيوعية، فإننا نجد دولا كثيرة تملك بنكها المركزي، منها إنجلترا، وفرنسا، وفنلندا، والسويد، وكندا، والنمسا، والدانمرقة، ونيوزلندا، وأستراليا، وباراجواي، والأرجنتين، وجواتيمالا، وكوستاريكا، ومعظم هذه البنوك حولته الحكومة إلى ملك للدولة بأن نزعت ملكية مساهميه كما تنزع الحكومات ملكية الأفراد للمصلحة العامة.
وقد اختلفت الطريقة التي اتبعتها الدول في كيفية تقدير التعويض الذي دفع لحملة الأسهم عند نزع ملكيتهم؛ فبعض الدول اتخذت سعر السهم في البورصة أساسا للتقدير، والبعض الآخر قد أخذ بمتوسط سعر السهم في فترة معينة.
وأما عن الطريقة التي اتبعت في دفع التعويض للمساهمين؛ فبعض الدول تدفع ذلك التعويض نقدا، والبعض الآخر تدفعه بسندات على الحكومة، وبعض الدول تخير صاحب الأسهم المنزوعة ملكيتها بين قبض التعويض نقدا وبين أخذ سندات بقيمته على الحكومة. فكندا دفعت التعويض نقدا بسعر البورصة، وإنجلترا دفعته بسندات على الحكومة بفائدة أخذت من متوسط فترة معينة، ونيوزلندا خيرت المساهمين قبض قيمة أسهمهم المنزوعة نقدا وبين أخذ سندات بها على الحكومة.
وبينما نجد الولايات المتحدة بها اثنا عشر بنكا مركزيا تكتتب في كل بنك منها البنوك التجارية، إذا بنا نجد دولا أخرى تبعد البنوك والشركات عن الاكتتاب في بنكها المركزي؛ حتى لا تسيطر على إدارته وتجعلها مسيرة لمصلحة البنوك والشركات. ومن هذه الدول فنزويلا، وتشكوسلوفاكيا، والصين، وسويسرا، هذه الدول تجعل البنك المركزي ملكا للحكومة والأفراد، ويحرم على البنوك والشركات أن تكون مالكة لأسهمه. وهناك دول يقتضي نظام بنكها المركزي اشتراك الحكومة مالكة لأسهمه، وهناك دول يقتضي نظام بنكها المركزي اشتراك الحكومة والبنوك والأفراد؛ ليكون الجميع متعاونين على العمل مشتركين في التبعات. ونذكر على سبيل المثال المكسيك، وشيلي، وبيرو، وكولومبيا.
وإذا كان امتلاك الحكومة للبنك المركزي يستفاد منه جعل البنك قسما من الخزانة العامة وخضوعه في إدارته وسياسته للحكومة؛ فإن ذلك الخضوع يختلف في دولة عنه في دولة أخرى. فالنظام الإنجليزي قد مر بسلام من القديم إلى الحديث حتى انتهى بأن يعين الملك أعضاء مجلس الإدارة، بينما النظام الفرنسي يجعل بعض أعضاء مجلس الإدارة معينين بمقتضى وظائفهم الرسمية، والبعض بمقتضى رياستهم لهيئات تمثل أهم نواحي الاقتصاد القومي في فرنسا. ومرد ذلك فيما أعتقد إلى أن النظام النيابي مستقر وسياسة الإمبراطورية البريطانية محل احترام جميع الأحزاب، بينما في فرنسا النظام النيابي متبدل والأحزاب تتصارع، والأهواء لا تحمد عقباها إذا امتدت إلى البنك فغيرت سياسته بين آن وآخر.
إدارة البنك ومحافظه
ويكاد ينعقد الإجماع على ضرورة إعطاء الحكومة حق تعيين المحافظ ومن ينوب عنه حتى في البلاد التي لا تساهم الحكومة في مال بنكها المركزي. ويغلب أيضا في جميع الأنظمة النص على إبعاد الأجانب عن امتلاك لسهم البنك المركزي وعن العضوية في مجلس إدارته. ولكن هناك بلاد قليلة العدد للأموال الأجنبية فيها شأن يذكر فهي مضطرة بحكم ظروفها أن تبيح للأجانب أن يملكوا قدرا معينا من أسهم بنكها المركزي - بل قد تجبرهم على ذلك في نسبة تفرضها فرضا على البنوك الأجنبية أو فروعها. وهي أيضا تعطيهم عضوا في مجلس الإدارة، ومن هذه الدول شيلي، وكولومبيا. وقد أخذت بعض الدول بنظام يبيح ضم خبير أجنبي إلى مجلس إدارة بنكها المركزي؛ لتسوغ مثل هذا الموقف الشاذ عندما تقضي به الضرورة، ومن هذه الدول تشكوسلوفاكيا، وأستونيا.
الجمعية العمومية والأصوات فيها
أما مقدار الأصوات التي تكون من حق الحكومة في الجمعية العمومية للبنك المركزي، فلا يرجع حتما إلى نسبة ما تملكه الحكومة من رأس مال البنك إذا كانت مساهمة فيه؛ لأن الجمعيات العمومية لا ترسم سياسة البنك المركزي، وكذلك الحال بالنسبة للمساهمين؛ فقد يوضع حد لأصوات كبار المساهمين في الجمعيات العمومية كما هو حادث أيضا في بعض الشركات، وقد تمنع الحكومة تماما من التصويت في الجمعية العمومية رغم كونها مساهمة بمبلغ كبير في رأس المال. ومن ذلك أن حكومة كولومبيا تساهم بنصف رأس مال بنكها المركزي، ومع هذا فأسهمها لا تعطيها حق التصويت بنص المادة 6، ولا ضرر من تقييد حق التصويت - على الحكومة أو المساهمين - لأنه كما قلنا لا ترسم الجمعيات العمومية سياسة البنوك المركزية، وتدخل الحكومة فيها لا يعني توجيه سياسة البنك، بل ربما يحرج الحكومة نفسها عند تنافس الطامعين في عضوية مجلس الإدارة.
Page inconnue