La Banque Centrale à travers les âges
البنك المركزي في العصور المختلفة
Genres
ولما كان بنك إنجلترا مقيدا بمقتضى القانون ألا يقرض الحكومة إلا بتصريح من البرلمان، فقد استصدر «بت» قانونا يعفي بنك إنجلترا من هذا القيد، ويطلق يده أن يقترض ما يشاء من ذلك البنك في تلك الفترة الحالكة السواد التي تعلقت فيها مصائر إنجلترا بين الحياة والفناء. وقبل البنك ذلك ولكنه تعرض للإفلاس؛ إذ أكثر من البنكنوت وجاء الناس يطالبونه بالقطع النقدية المعدنية. وهمت الحكومة أن تعفيه من ذلك، وإذا بزعماء المال يجتمعون ويمضون تعهدا ألا يسحبوا أموالهم وألا يطالبوا بالنقود المعدنية. ذلك موقف خالد من مواقف الوطنية العملية، لا بد لنا من أن نذكره بالإعجاب لقوم بنوا مجدهم على الأخلاق والتضحية.
ولما انتصر الإنجليز على نابليون عادت الثقة إلى المالية البريطانية، وجاءت الأموال والسبائك المعدنية تتدفق على البنك وغيره من البنوك الأخرى، وأعادت الحكومة العمل بالمادة التي كانت تحرم على بنك إنجلترا ألا يقرضها إلا بعد استئذان البرلمان.
ولم تكن شدائد الحروب فقط هي التي أدى فيها البنك واجبه نحو بلاده، بل أدى ذلك الواجب في أزمات السلم أيضا عندما عمت ضائقة نقص المحاصيل الزراعية، ونشأت مفاجآت التنافس الصناعي وتخبط شركات التأمين التي تعرضت فيها بنوك إنجلترا وشركاتها للخراب فعلا، فتقدم بنك إنجلترا وقاد السفينة قيادة ربان ماهر فنجت بأقل الخسائر الممكنة.
ولقد كانت لهذا البنك اليد الطولى في إقالة عثرات كثير من الشركات الاستعمارية، وفي إنشاء البنوك التي تعمل في الخارج لمصلحة التجارة والاستعمار البريطاني. وكم كلفته الحكومة البريطانية سرا وعلنا أن يمد هذه الشركات بالمعونة. وحسبه أنه مكن للحكومة البريطانية أن تشتري موجودات شركة الهند الشرقية عندما قرر البرلمان ضمها إلى التاج ليحكم الهند، وأنه أعطى تلك الحكومة أيضا المبلغ الذي دفعته ثمنا لأسهم شركة قنال السويس عندما عرضها الخديو للبيع بثمن بخس.
لم يكن من المستغرب بعد هذا كله أن تنظر إليه الحكومة والشركات والأفراد في إنجلترا نظرة الإعجاب بما انطوى عليه من رعاية مصلحة الجميع؛ فقد لمسوا قيمة تلك الخصال التي طبع عليها مساهموه وإدارته على مرور الزمن وتعاقب الأحداث.
ولقد وصف هذا البنك
Walter Pagehot
أدق وصف وأوجزه في كتابه
Lombard Street
الذي طبع سنة 1873 فقال: «إن بنك إنجلترا قد نجح؛ لأنه عرف أن يؤدي واجبه في نظر ثاقب لا يحابي أحدا، بل يعمل للمصلحة العامة وحدها، فيدخر في وقت الرخاء احتياطيات هائلة يتقدم بها مخاطرا في أوقات الشدائد لينقذ بلاده.» وقد أعجب بهذا الوصف اللورد كنيس، فقال عنه في سنة 1926: «إنه قد أمم بنك إنجلترا بتلك العبارة الجامعة منذ خمسين سنة مضت.» تلك نبوءة صدقت قولا وتأويلا؛ فقد تحققت سنة 1945 عندما أممته الحكومة، ولم يشعر أحد بأقل فارق.
Page inconnue