Lamentations: Six larmes sur une âme arabe
بكائيات: ست دمعات على نفس عربية
Genres
تستطرد: لا تسخر. إني جادة.
أهتف: والقرن الذي بيني وبينها؟ - لا يهم. مثلك لا تصلح له غيرها، ألا تبحث دائما عن المحال؟ - وأعيش فيه أيضا. ولكن ماذا يقول أهلها؟ - اطمئن . كلهم ماتوا. نعقد الزواج الآن؟ - والشهود؟ ملائكة وشهداء وقديسون ويسوع نفسه؟! - لا تكن سخيفا يكفيك شاهد واحد. - تقصدين شاهدة؟! - نعم نعم. وسأتكفل بمصاريف العرس. - المهم أن ترضى الجميلة. ألا ترفضني هي أيضا؟ - لا تهرب. دائما تنهزم قبل بداية المعركة. سترضى حتما. - ثقتك في محلها، ما دامت لا تسمع ولا تنطق! هيا نسألها. - لن نسألها. سنعقد فورا.
أقف وأشدها من يدها. نلقي النظرات الأخيرة على العروس الصامتة. تتطفل يدي على وجهها الحالم الحزين وذقنها المدببة الحادة، وكتابها المفتوح على صدرها، وقاعدة الشاهد الجرانيتي. تأتي وتمسك يدي. تمد إحداهما إلى اليد التي تلمس الكتاب. تتمتم شفتاها وتخرج منها مقاطع لاتينية أحاول أن أتابع معناها وتغمض عينيها وتستغرق في الصلاة. أتعجلها بعد أن لاحظت الشمس قد غربت منذ وقت طويل. - أخشى أن يقفلوا البوابة! - في ليلة عرسك وتخاف؟ يا للغباء الأزلي!
أضحك. يمنعها الخشوع من الضحك. بعد قليل تسير بجانبي صامتة. نخرج من البوابة، ونسير في الطريق إلى مسكني. القمر هلال متعب نحيل يطلع على استحياء. السكون يغمر المدينة، وأوراق الشجر الصفراء تخشخش تحت أقدامنا. نفترش الظلال الشاحبة. جدران البيوت وأعمدة المصابيح وقوائم الإعلانات. أفكر في بلدي، في بلدي، في مدينة الضوضاء التي سأعيش فيها، في القرية البائسة التي تنتظرني، في الهاوية التي تفتح فمها وتهدد بابتلاعي، في دوامة التخلف التي ستجرفني كحبة الرمل إلى هاوية الانقراض المحتوم. وتغرق في الصمت. فيم تفكر هي أيضا؟ أسترجع الذكريات، كلها أصبحت ذكريات، تتدخل الأماكن والأزمنة والأحداث والأشخاص، وتتصادم كقطيع هارب أمام العاصفة، نصل إلى مدخل البيت الذي أسكنه. تقف وتمسك بيدي: تأخرت. لا بد أن أعود. - لا أدري كيف أشكرك. السكون يغطي كل ما حولنا. عيون المصابيح تسدل علينا رموشها الفضية. لا نأمة ولا حركة في الشارع الهادئ. أفاجأ بصدرها على صدري. تضم ذراعيها حولي، وتشدني إلى وجهها. فمها على فمي. لأول مرة يتدفق الدفء وحرارة اللحم في دمي. ترتجف شفتاها المبللتان بالدموع. يرتجف الصدر والظهر. أتحصن في قوقعتي الحجرية. - آه يا ... لو تدري كم أحبك.
في المدينة الكبيرة كنت أمر عليهم كل يوم. أخرج من محطة القطار الأرضي (المترو)، وأطلق عليهن من برج عيني حمامات التعجب والرغبة والشهوة. كن يقفن دائما هناك، يسندن ظهورهن إلى بيت عادي لا يلفت النظر، على الرصيف المواجه لبستان عادي أيضا، في الناحية الأخرى من الميدان مقهى صغير يجلس الناس على طواره في الصيف، حسبتهن في البداية لاعبات سيرك، فسراويلهن قصيرة تكشف عن معظم الساق، في أقدامهن أحذية عالية الكعب، على وجوههن أحدث ما ابتدع. صناع أقنعة الإغراء. لكني لم أكن أرى خيمة، ولا أسمع طبلا، ولا بوقا، لا صيحة قرد، ولا زئير أسد، ولا صراخ سباع البحر. وأعبر الميدان إلى اليمين لأمشي على الطوار (المؤدي إلى مكتبة كنت أتزود منها بزاد العين والقلب، بالكتب الجديدة والوجه الحي الباسم أبدا فيها)، وكنت أخطف البصر إليهن لأسرع بالوقوع في شبكة خجلي وارتباكي ودقات صدري المتلاحقة. ذات مساء أمر بالميدان في طريقي إلى مسكني البعيد، ويفاجئني الصوت الناعم كسطح الوردة والوجه الأبيض كوجه طفلة صبغوا شفتيها وخديها بالأحمر: ألا تحب أن نبقى معا بعض الوقت؟ (أتطلع في وجهها، أتخيل وجهي يصفر، ويعكس ألوان الطيف) لندع أجسادنا تتحدث لبعضها. هذه هي اللغة الوحيدة الصادقة. - نعم. ولكني ... والوقت متأخر. - يبدو أنك مثقف، عيبكم أنكم تقرءون كثيرا. تعال لنقرأ أسرار الجسد. أنا لا أحسن الكلام. أنت غريب فيما يظهر. - نعم. أخشى. - إلى متى تخشى؟ شعرك أبيض. الحب دواء الخوف، هيا بضع سلالم. - لكن ... لكن ... لكن ... لكن ... أعني الشرطة، والجيران، و... كم ... - لا تحمل هما. شرقي أنت؟ لن نمكث طول الليل. لن نخطفك لدينا. الشرطة تحرسنا وتؤمننا.
مشيت بجانبها صامتا. عند المدخل رمقتني حبشية فارعة القامة منقوشة الشعر كالمروحة المجدولة من حبات سوداء، ضحكت أخرى بيضاء سمينة، فخذاها المتورمتان يثوران على السروال الضيق المخطط. تفتح لنا امرأة لطيفة الوجه مدورة العينين السوداوين، قصيرة الشعر، في أدب مسرف تدعونا للدخول. أنظر في الردهة اللامعة والأبواب المغلقة. وأتشمم روح السكون والترف في هذا الشرك المهلك! تمد الفتاة يدها فتمسك يدي. هيا! هل تستكثر لحظة حب؟ تبتسم السيدة التي فتحت لنا الباب ، وتودعنا في صمت، أحس يدها الناعمة، أخجل من نفسي. جف عصير الشجرة، لم تبق سوى الأوراق الصفراء. يا زهر ربيع العمر ألا يصدمك شتائي؟ ندخل حجرة ساطعة الضوء، جدرانها الخضراء تورق في النفس الراحة والأمن. الفراش مرتب، والسرير عريض، وإلى اليسار دولاب بمرآة. تسبقني إلى الفراش، وتسحب على نفسها الغطاء، لحيرتي وخوفي من النظر في المرآة لم ألحظ أنها كانت قد تعرت تماما. «تخجل مني؟ الحمام أمام الباب. هيا فاتت خمس دقائق. والباقي عشرون.» أذهب للحمام وأخلع ملابسي. هناك أيضا مرآة. لو تكسر كل مرايا العالم! أرجع في «روب» فضفاض. أغلق خلفي الباب. «منظرك بديع.» «أأثير الضحك إلى هذا الحد؟ معذرة، هذا البطن آثار السن.» «بل أنت عجوز طفل. أول مرة؟» أدخل تحت الغطاء. أضع الرأس على الكف. «ما لك؟ تتفكر في مشكلة الكون؟» «أتأمل وجهك. أقرأ قصتك وطبعك.» «ليس لدينا وقت. ليس لدينا وقت.» «أدفع ما يرضيك، عندي وقت، فلنتكلم.» تغضب وتضرب الفراش. «عندي عمل آخر. أي زبون أنت؟ انهض.» أخرج من محفظتي أوراقا أعطيها إياها، أهمس: «فليعرف كل منا الآخر.» «لكن عندي موعد.» تنظر في ساعتها. «فاتت عشر دقائق. عندي موعد.» أنسل إلى جانبها، أتحسس كفيها. وأميل على الصدر. أمسح خديها. «هيا، هيا.» تتفتح كالوردة للشمس، أتملى في عينيها وأمد الشفتين. تضحك ساخرة: «يا لك من رومانسي! أعرف هذا النوع. لكن ليس لدي الوقت، عندي موعد.» تنظر في ساعتها.«أغبي أنت؟ احترق الوعد!» أتحسس يدها، خديها، ألثم جبهتها والشعر. «هيا هيا.» «لا أبدأ حتى تعطيني قبلة.» تدير خدها ناحيتي: «خذ! لا لا.» وأمد الفم. يتأهب صدري للقاء الصدر، ويداي لتطويق الجبهة والشعر. تقترب الشفتان من الشفتين، تصرخ كالمجنونة: «لا، لا. ما هذا؟!» «هل أخطأت؟» «حتى لو تدفع لي مليون.» «هل يصلح هذا من غير القبلة؟» تتنمر تتفرسني عين التاجر يطرد شحاذا من بابه: «القبلة لحبيبي وحده، لا يأخذها مخلوق غيره، حتى لو كنت أمير الهند وملك الصين!» «افترضي أني محبوبك؟» «يكفي ثرثرة، ضيعت الوقت.» تنظر في ساعتها، تنفخ تتأفف تلوي شفتيها باشمئزاز. انطفأ الجمر. العطر تبخر. سكن القارب والمجداف انكسر على الصخر. «معذرة، لكني لا أستغني عن قبلة، في بلدي.» «في بلدك!» قامت غاضبة، بدأت تلبس سترتها والسراويل. وأنا أرمقها بعيون الطفل المذنب. «عد لبلادك إن شئت.» ألقت في وجهي الأوراق. «هذا عمل لا عش للعشاق.» «أرجوك احتفظي بهدوئك، وكذلك بالماركات، يمكنني أن أعطيك سواها.» تطوي ذراعيها على صدرها، تطيل النظر إلي: «هذا كرم منك. لم تبق سوى خمس دقائق. ذنبك أنت.» أدخل في سراويلي وقميصي. «أعرف يا سيدة البيت طريقي. عندك موعد. تفضلي أنت.» يا رب السهم النافذ والقوس، هبني أن أجد القبلة: كأسا تفرغ في كأس، عين تغرق في عين، قلب يدق في قلب. نهر يجري مع نهر ليصبا في البحر. ابن تاب عن الذنب، وعاد إلى الأب، وشعاع بعد الغربة يرجع للشمس.
البحر البحر البحر - من؟ أنت؟ - أنسيت؟ - حسبتك خنت، وظننت بأنك مثل الناس تخليت. - أنا مسئول عنك؟ تركتك للأحلام. - اسكت. أسمعني عزفك فوق الناي؛ فلعل اللحن يريح البال. هذا أفضل، ليست كل الأشياء تباع وتشرى بالمال. أو إن شئت فلذ بالصمت. - معك الحق، لكن ليس لدينا وقت، حتى للصمت. - وقت للغد والأمس ولا وقت لدينا لليوم. هيا، هيا. - أمروني أن أصحبك. - ولماذا الأمر؟ تسعدني الصحبة. - هيا، هيا؛ أزف الوقت. - الوقت، الوقت! والأبدية ضيعناها خوف ضياع الوقت، وإلى أين؟ - البحر! البحر! البحر!
هتفت كما هتف جنود الإغريق القدماء: البحر! البحر! بعد الظمأ القاتل في الصحراء، يتعرى الظامئ ويذوق الماء. - ليس الأمر كما نتصور، أخشى الندم عليك وخيبة أملك. - تخيب أملي، تخرجني من هذا الكهف المظلم، من ليل أتخبط فيه إلى ليل معتم، وتقول بأنك ستخيب أملي؟ هيا للبحر.
يطرق رأسه، يغمض عينيه، يتدلى الناي على صدره، كيتيم حاروا في أمره، نترك ممشى، ندخل ردهة، وتمر علينا الخدم، الزوار، يا صاحب هذا الفندق، أين النادل وحمايته الموعودة؟ أيجوع الضيف لديكم ومآدبكم ممدودة ؟ تلفح وجهي الريح، وملح البحر يرطب جلدي.
بعد قليل يبدو الشاطئ، تسطع حبات الزبد على البعد، والموج الهادر يصخب في أذني ويحتد، لا تبخل يا موج البحر، ولا تنس الوعد، أحرقني الظمأ الكافر في صحراء المجد، فاغسل بالدمع الصافي من عينيك ذنوب الأمس وهم الغد، وأعد اللحد أو المهند. تلمس قدماي الشاطئ. أنظر فوقي: قمر هادئ، بدر كالزورق تلمع فيه لآلئ. - لم لا تتكلم؟ نايك لا يترنم! - إني مرغم. أمروا بالصمت، وكتمان السر المبهم. - البحر أمامك والجنة بين يديك. ماذا تكتم؟ - انظر حولك، لن أتكلم.
Page inconnue