La Mer Méditerranée: Destins d'une mer
البحر المتوسط: مصاير بحر
Genres
76
والزيزفون والقان
77
في البلدان التي هي مصدر هذه الأشجار، فيمكن أن تتوارى، ولكن الحياة هي التي تتوارى عن البحر المتوسط بلا زيتون. والنخل ضرورية أيضا وذلك لأنها تجهز قبائل في أفريقية بالمأوى والثياب والغذاء. والزيتون، من جميع أشجار العالم، هو الذي ينفع ثمره مادة عيش لأكبر عدد من الآدميين، والزيتون لا يستلزم شيئا تقريبا، لا يستلزم مطرا ولا شمسا ولا عناية، والزيتون يعطي من الثمار ما لا يقدر غيره على إنتاجه. وكانت التوراة عارفة بذلك، ففي سفر القضاة ذكر لاختيار الزيتون ملكا من قبل الأشجار.
ويقدر عدد أشجار الزيتون في إسبانية بثلاثمائة مليون، وفي إيطالية بأكثر من مائة مليون، ويحسب مهر البنت في بعض أقسام آسية الصغرى بالزيتون، ويعد التونسي الذي يملك ألف زيتونة غنيا، وفي تونس يمكن 1800 شخص أن يعيشوا من مزرعة زيتون مساحتها ميل مربع، على حين لا يصلح الميل المربع من الأرض البور إلا لإعالة خمسة عشر نفسا. وما في إسبانية من أسوار فاصلة يدل وحده على أن البلد ليس غابة برية، بل ذات غراس ، ويمكن أشجار الزيتون في الأماكن التي تنمو فيها طليقة أن تبلغ من الارتفاع عشرة أمتار، ومن أشجار الزيتون في قورسقة ما يستغلظ فلا يستطيع ثلاثة رجال أن يحتضنوه.
ويقترن تاريخ شجرة الزيتون بتاريخ البحر المتوسط تقريبا، وفي البلاد التي نشأ فيها كل من التوراة والأوذيسة بجانب الأخرى، ظلت أقدم أشجار الزيتون حية لتكون شاهدة على صحة الأقاصيص، ولما فتح العرب القدس فرضوا صب مدين للسلطان عن كل زيتونة. وفي ذلك الحين كان عمر بعض الأشجار يزيد على ثلاثة قرون، ومن هذه الأشجار كانت ثمانية في بستان جثسيماني فحافظ عليها الصليبيون، وكان السلطان يجبي منها ثمانية أمداد في كل عام حتى الحرب العالمية التي اشتعلت سنة 1914، ولا تزال هذه الشجرات قائمة هنالك، ومن المحتمل أن كان يسوع جالسا تحت إحداها في أفجع ساعاته.
ومن يعرف حيوية شجرة الزيتون، ويدرك علائم الخلود في الأوراق الجديدة التي تنمو في أطراف الفروع، يمكنه أن يبصر في شمال الأكروبول بأثينة أشجار زيتون كان أفلاطون يعلم تلاميذه تحتها على ما يحتمل، وكان سقراط يشتري منها زيتا مؤديا ثلاثة أفلس ثمنا لكل لترة، وفي ذلك الحين كان كل من يختبط أكثر من زيتونتين في العام يلزم بدفع مائتي درهم غرامة فيعطى الواشي نصفها مع الأسف. وبما أن زيت الزيتون في بعض البلاد كان المادة الدهنية الوحيدة التي تستعمل كان من الممكن قهر العدو عند إبادة زيتونه.
وديانتا البحر المتوسط، اليونانية واليهودية، قاومتا طريقة إهلاك العدو تلك، وذلك لعدهما الزيتونة شجرة الحياة. قال سوفوكل في مأساة «إديب في كولون»: «إن الزيتونة ذات الأوراق السمر هي التي تغذي أولادنا، ولا ينبغي للشبان والشيب أن يبيدوا هذا النبات الذي تحميه الإلهة ذات العينين الشهباوين والذي يعنى به غارسه.» وما هو محرم في هذه العبادة عن خوف من انتقام الآلهة محرم في التوراة عن سبب خلقي خالص، وهذا وحده يكفي لبيان ما بين الأدبين من تباين، وكلتا الشريعتين كانت تبيح لبرابرة ذلك الزمن استعمال جميع الأسلحة خلا واحدا، وذلك كتحريم الغازات السامة في أيامنا وإن لم تكن هذه غير وجه آخر للقتل من حيث النتيجة. ومع ذلك الحظر كانت أشجار الزيتون في ذلك الزمن تسقط تحت فأس الفاتح كما أن الناس يذهبون ضحية الكيمياء في الوقت الحاضر، فلا معنى لمبدأ الحرب الإنسانية في ذاته.
والزيت أيضا كان مقدسا في تينك الديانتين، وذلك لما كان من وضعه على هيكل أتينا
78
Page inconnue