183

L'Océan des Mers en Principes de Jurisprudence Islamique

البحر المحيط في أصول الفقه

Maison d'édition

دار الكتبي

Numéro d'édition

الأولى

Année de publication

1414 AH

Lieu d'édition

القاهرة

وَجَمِيعِ الْمُعْتَزِلَةِ أَنَّ أُصُولَ الْوَاجِبَاتِ وَالْحَسَنَ وَالْقَبِيحَ فِي الْأَفْعَالِ كُلِّهَا مُدْرَكَةٌ بِالْعَقْلِ سَوَاءٌ وَرَدَ عَلَيْهَا حُكْمُ اللَّهِ بِالتَّقْرِيرِ أَوْ لَمْ يَرِدْ، وَمَذْهَبُ الْأَشْعَرِيَّةِ أَنَّهَا لَا تُعْرَفُ إلَّا بِالشَّرْعِ.
[اخْتِلَافُ الْعُلَمَاءِ فِي حُكْمِ دَلَالَاتِ الْعُقُولِ]
[اخْتِلَافُ الْعُلَمَاءِ فِي حُكْمِ دَلَالَاتِ الْعُقُولِ] وَقَالَ أَبُو زَيْدٍ الدَّبُوسِيُّ: اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي حُكْمِ دَلَالَاتِ الْعُقُولِ عَلَى الْمَشْرُوعَاتِ الدِّينِيَّةِ لَوْلَا الشَّرِيعَةُ عَلَى أَرْبَعَةِ أَقْوَالٍ: أَحَدُهَا: أَنَّ الِاشْتِغَالَ بِهِ لَغْوٌ؛ لِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَدْعُنَا وَالْعُقُولُ بِمُجَرَّدِهَا. وَالثَّانِي: أَنَّهَا حَسَنَةٌ بِالْعَقْلِ لَوْلَا الشَّرِيعَةُ، وَالثَّالِثُ: التَّفْصِيلُ بَيْنَ الْعِبَادَاتِ وَالْمُعَامَلَاتِ. فَالْعِبَادَاتُ كَانَتْ تَجِبُ لَوْلَا الشَّرْعُ لَا زَاجِرَ عَنْهَا إلَّا عِنْدَ عَدَمِ الْإِمْكَانِ، كَالْإِيمَانِ بِاَللَّهِ، وَإِنَّمَا سَقَطَ لَا لِضَرُورَةٍ بِالشَّرْعِ تَيْسِيرًا، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ بَعْضُ الصُّوفِيَّةِ، وَأَمَّا الْعُقُوبَاتُ الْمُعَجَّلَةُ فَمَا وَجَبَتْ إلَّا شَرْعًا. الرَّابِعُ: قَالَ: وَهُوَ الْمُخْتَارُ عِنْدَنَا أَنَّ عَلَى الْعَبْدِ بِمُجَرَّدِ الْعَقْلِ الْإِيمَانَ بِاَللَّهِ، وَاعْتِقَادَ وُجُوبِ الطَّاعَةِ عَلَى نَفْسِهِ مِنْ أَمْرٍ وَنَهْيٍ، لَكِنَّهُ تَقِفُ نَفْسُهُ لِلْبِدَارِ إلَى مَا يَأْمُرُ بِهِ وَيَنْهَاهُ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَقْدُمَ عَلَى شَيْءٍ بِالِاسْتِبَاحَةِ تَعْظِيمًا لِلَّهِ، لَا لِقُبْحِ هَذِهِ الْمَشْرُوعَاتِ قَبْلَ الْأَمْرِ بَلْ يُمْنَعُ الْعَقْلُ مَعْرِفَةَ حُسْنِهَا.
قَالَ: وَهُوَ مَذْهَبُ عُلَمَائِنَا، وَلِهَذَا كَانَ بَعْثُ الرُّسُلِ عَلَى اللَّهِ حَقًّا وَاجِبًا لِيُمَكِّنَهُمْ الْإِقْدَامَ عَلَى الْعِبَادَةِ، وَالتَّوَقُّفُ لِلطَّاعَةِ ضَرْبُ عِنَادٍ فَإِنَّهَا تَمْثِيلُ الْعَقْلِ فَكَانَ يَلْزَمُ ذَلِكَ بِمُجَرَّدِ الْعَقْلِ مَعَ اعْتِقَادِ أَنَّهُ مَخْلُوقٌ لِلْعِبَادَةِ الْمُطْلَقَةِ، وَأَنَّهَا مُجْمَلَةٌ وَأَنَّ اللَّهَ يُبَيِّنُ ذَلِكَ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْحَنَفِيَّةَ يَقُولُونَ: يَجِبُ اعْتِقَادُ كَوْنِهِ مَأْمُورًا، وَأَمَّا الْإِقْدَامُ عَلَى الْفِعْلِ وَالتَّرْكِ فَلَا يَأْتِي بِهِ إلَّا بَعْدَ الشَّرْعِ، وَيَظُنُّ كَثِيرٌ مِنْ النَّاسِ أَنَّ

1 / 185