L'Océan Étendu dans l'Interprétation du Coran Glorieux
البحر المديد في تفسير القرآن المجيد
Chercheur
أحمد عبد الله القرشي رسلان
Maison d'édition
الدكتور حسن عباس زكي
Numéro d'édition
١٤١٩ هـ
Lieu d'édition
القاهرة
Genres
Tafsir
قلت: الصبر: هو حبس القلب على حكم الرب، فيحتمل أن يُراد به ظاهره، أو يراد به هنا الصوم، لأن فيه الصبر عن الشهوات. والخشوع فى الجوارح: سكونها وذُلها، والخضوع في القلب: انقياده لحكم الرب.
يقول الحق ﷻ: يا مَن ابتلي بالرئاسة والجاه، واستكبر عن الانقياد لأحكام الله التي جاءت بها الرسل من عند الله، استعن على نفسك بِالصَّبْرِ على قطع المألوفات، وترك الحظوظ والشهوات، وأصل فروعها حب الرئاسة والجاه، فمن صبر على تركهما فاز برضوان الله. وفي الحديث: «وفي الصبر على ما تكره خير كثير» . وقال الشاعر:
والصَّبْرُ كالصْبرِ مُرٌ في مذَاقَتِه ... لَكِنْ عَواقِبُه أحلَى مِن العسلِ
أو: وَاسْتَعِينُوا بالصوم وَالصَّلاةِ، فإن في الصوم كَسْرَ الشَّهْوَةِ وتصفية النفس، فإذا صفت النفس من الرذائل تحلت بأنواع الفضائل، كالتواضع والإنصاف، والخشوع وسائر سني الأوصاف، وفي الصلاة أنواع من العبادات النفسية والبدنية، كالطهارة، وستر العورة، وصرف المال فيهما، والتوجه إلى الكعبة، والعكوف للعبادة، وإظهار الخشوع بالجوارح، وإخلاص النية بالقلب، ومجاهدة الشيطان، ومناجاة الرحمن وقراءة القرآن، وكف النفس عن الأطْيَبَيْنِ «١»، وفي الصلاة قضاء المآرب وجبر المصائب، ولذلك كان- ﵊ إذا حزيه أمر فزع إلى الصلاة، وَإِنَّها لَكَبِيرَةٌ أي: شاقة على النفس لتكريرها في كل يوم، ومجيئها وقت حلاوة النوم، إِلَّا عَلَى الْخاشِعِينَ الذين سكنت حلاوتها في قلوبهم، وتناجوا فيها مع ربهم، حتى صارت فيها قُرَّة عينهم.
الذين يتيقنون أَنَّهُمْ مُلاقُوا رَبِّهِمْ فيتنعمون بالنظر إلى وجهه الكريم، ويتيقنون أيضًا أنهم راجعون إلى ربهم بالبعث والحشر للثواب والعقاب، وإنما عبَّر الحق تعالى هنا بالظن في موضع اليقين إبقاء على المذنبين، وتوفرًا على العاصين، الذين ليس لهم صفاء اليقين إذ لو ذكر اليقين صرفًا لخرجوا من الجملة، فسبحانه من رب حليم، وجواد كريم. اللهم امنن علينا بصفاء المعرفة واليقين، حتى لا يختلج قلوبنا وَهْمٌ ولا ريب، يا رب العالمين.
الإشارة: يا من رام الدخول إلى حضرة الله، تذلل وتواضع لأولياء الله، وتجرّع الصبر في ذلك كي يدخلوك حضرة الله، كما قال القائل:
تَذللْ لِمنْ تَهْوَى فَلَيْسَ الْهَوى سَهْلُ «٢» ... إِذَا رَضِيَ المحبوبُ صَحّ لَكَ الوَصْلُ
(١) أي: الأكل والجماع. قاله الشهاب الخفاجي فى حاشيته على البيضاوي ٤٥١/ ٢. (٢) أرى أن يكون: (تذلل لمن تهوى فما فى الهوى سهل) .
1 / 102