L'Océan Étendu dans l'Interprétation du Coran Glorieux
البحر المديد في تفسير القرآن المجيد
Chercheur
أحمد عبد الله القرشي رسلان
Maison d'édition
الدكتور حسن عباس زكي
Numéro d'édition
١٤١٩ هـ
Lieu d'édition
القاهرة
Genres
Tafsir
الإشارة: إن الله لا يترك أن يظهر مثلًا من أنوار قدسه بارزًا بقدرته، مرتديًا برداء حكمته، ملتبسًا بأسرار ذاته، مَكسُوًّا بأنوار صفاته من الذرة إلى مالا نهاية له، فالمتجلِّي في النملة هو المتجلي في الفيلة، فأما الذين صَدَّقُوا بتجلي الذات في أنوار الصفات، فيقولون: إنه الحق فائضٌ من نور الربوبية، محتجبًا برداء الكبرياء وسبحات الألوهية. وأما الجاحدون لظهور نور ذات الربوبية فينكرونه في حال ظهوره، ويقولون: ماذا أراد الله بهذه العوالم الظاهرة؟ فيقول الحق تعالى: أردت ظهور قدرتي وعجائب حكمتي، ليظهر سر ربوبيتي في مظاهر عبوديتي.
قال الشيخ أبو الحسن رضى الله عنه: «العبودية جوهرة أظهر بها الربوبية» وقيل لأبي الحسن النُّورِي: ما هذه الأماكن والمخلوقات الظاهرة؟ فقال: عز ظاهر وملك قاهر، ومخلوقات ظاهرة به، وصادرة عنه، لا هي متصلة به ولا منفصلة عنه، فرغ من الأشياء ولم تفرغ منه، لأنها تحتاج إليه وهو لا يحتاج إليها. هـ.
فأراد الله بظهور هذا الكون أن يضل به قومًا فيقفون مع ظاهر غرَّتِه، ويهدي به قومًا فينفذون إلى باطن عبرته. وما يضل به إلا الفاسقين الخارجين عن دائرة الشهود، المنكرين لتجليات الملك المعبود، الذين ينقضون عهد الله، وهو معرفة الروح التي حصلت لها وهي في عالم الذر، ويقطعونَ ما أمر اللهُ به أن يوصل من الشيوخ العارفين، الذين أَهَّلَهُمَ الله للتربية والترقية، وهم لا ينقطعون ما دامت المِلَّةُ المحمدية، ويفسدون في الأرض بالإنكار والتعويق عن طريق الخصوص، بتضييعهم الأصولَ، وهي صحبة العارفين، والتأدب لهم، والتعظيم لحرمتهم. وبالله التوفيق، وهو الهادي إلى سواء الطريق.
ثم عجّب الحقّ تعالى خلقه من خفائه بعد شدة ظهوره، فقال:
[سورة البقرة (٢): آية ٢٨]
كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَكُنْتُمْ أَمْواتًا فَأَحْياكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (٢٨)
قلت: (كيف) حال لأنها وقعت قبل كلام تام.
يقول الحق ﷻ: كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وتجحدون نعمه المتوالية، وَالحالة أنكم كُنْتُمْ أَمْواتًا نطفًا في الأرحام، فَأَحْياكُمْ بنفخ الروح في أجسادكم، ثُمَّ يُمِيتُكُمْ عند انقضاء آجالكم، ثُمَّ يُحْيِيكُمْ عند البعث لحسابكم، ثم يسكنكم دار القرار، إمّا إلى الجنة وإمّا إلى النار. فهذه الآثار دالّة على باهر قدرته وتمام حكمته، فقد وضح الحق وظهر، فَمَنْ شاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شاءَ فَلْيَكْفُرْ.
1 / 91