L'Océan Étendu dans l'Interprétation du Coran Glorieux
البحر المديد في تفسير القرآن المجيد
Enquêteur
أحمد عبد الله القرشي رسلان
Maison d'édition
الدكتور حسن عباس زكي
Édition
١٤١٩ هـ
Lieu d'édition
القاهرة
Genres
Tafsir
الإشارة: ملة أبينا إبراهيم ﵇ هي رفع الهمة عن الخلق، وإفراد الوجهة للملك الحق، ورفض الوسائط والأسباب، والتعلق بربّ الأرباب، وفي ذلك يقول الشاعر، وهو الششتري:
فَرَفْضُ السّويَ فَرْضٌ علينا لأنَّنا ... بملةِ محْوِ الشّركِ والشَّكِّ قدْ دِنَّا
ومِنْ ملته أيضًا: تركُ التدبير والاختيار، والاستسلام لأحكام الواحد القهار، فمن تمسك بهذه الخصال على التمام، ووصى بها من لقيه من الأنام، جعله الله في الدنيا إمامًا يقتدي بأقواله ويهتدي بأنواره، وإنه في الآخرة لمن الصالحين المقربين مع النبيين والمرسلين، وأما من رَغِبَ عن هذه الملة الحنيفية فقد خسر الدنيا والآخرة. نسأل الله الحفظ بمنِّه وكرمه.
ولما ادّعت اليهود أن اليهودية هى ملة إبراهيم ﵇ كذّبهم الله تعالى، فقال:
[سورة البقرة (٢): الآيات ١٣٣ الى ١٣٤]
أَمْ كُنْتُمْ شُهَداءَ إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ إِذْ قالَ لِبَنِيهِ ما تَعْبُدُونَ مِنْ بَعْدِي قالُوا نَعْبُدُ إِلهَكَ وَإِلهَ آبائِكَ إِبْراهِيمَ وَإِسْماعِيلَ وَإِسْحاقَ إِلهًا واحِدًا وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ (١٣٣) تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَها ما كَسَبَتْ وَلَكُمْ ما كَسَبْتُمْ وَلا تُسْئَلُونَ عَمَّا كانُوا يَعْمَلُونَ (١٣٤)
قلت: (أم) منقطعة، والاستفهام فيها للإنكار، أي: ما كنتم حاضرين حين حضر يعقوب الموت، وقال لبنيه ما قال، فكيف تدعون اليهودية عليه، و(إلهًا واحدًا) بدل من (إله آبائك)، وفائدته التصريح بالتوحيد، ونفى التوهم الناشئ عن تكرير المضاف، لتعذر العطف على المجرور، والتأكيد، أو نصب على الاختصاص أو الحال، وعد إسماعيل من الآباء تغليبًا، أو لأنه كالأب لقوله- ﵊: «عَمُّ الرُجلِ صِنْوُ أبيه» وقال في العباس: «هذا بقية آبائي» . قاله البيضاوي.
يقول الحق ﷻ في توبيخ اليهود على زعمهم أن اليهودية كانت ملة إبراهيم، وأن يعقوب ﵇ أوصى بها عند موته، فقال: هل كنتم حاضرين عند يعقوب حين حضرته الوفاة حتى أوصى بما زعمتم؟ وإنما كانت وصيته أن قال لبنيه: ما تَعْبُدُونَ مِنْ بَعْدِي أيْ: أيّ شيء تعبدونه؟ أراد به تقريرهم على التوحيد وأخذ ميثاقهم على الثبات عليه، (قالوا) في جوابه: نَعْبُدُ إِلهَكَ المتفق على وجوب وجوده وثبوت ألوهيته الذي هو إِلهَكَ وَإِلهَ آبائِكَ من قبلك إِبْراهِيمَ وولده إِسْماعِيلَ وَإِسْحاقَ الذي هو إلهٌ واحد. ونحن منقادون لأحكامه، مستسلمون لأمره إلى مماتنا، فلم يوص يعقوب إلا بما سمعتم، فانتسابكم يا معشر اليهود إليهم لا يوجب انتفاعكم بأعمالهم، وإنما تنتفعون بموافقتهم واتباعهم.
1 / 168