الفصل الثامن
إخواني، إلى كم هذه الغفلة وأنتم مطالبون بغير مهلة؟ فبالله عليكم، تعاهدوا أيامكم بتحصيل العدد، وأصلحوا من أعمالكم ما فسد، وكونوا من آجالكم على رصد، فقد آذنتكم الدنيا بالذهاب، وأنتم تلعبون بالأجل وبين أيديكم يوم الحساب. آه من ثقل الحمل.. آه من قلة الزاد وبعد الطريق.
فيا أيها المغرور بإقباله، المفتون بكواذب آماله، الذي غاب عن الصواب، وهو في فعله كذاب.
يا بطال، إلى كم تؤخر التوبة وما أنت في التأخير بمعذور؟ إلى متى يقال عنك: مفتون ومغرور؟ يا مسكين، قد انقضت أشهر الخير وأنت تعد الشهور؟ أترى مقبول أنت أم مطرود؟ أترى مواصل أنت أم مهجور؟ أترى تركب النجب (١) غدا أم أنت على وجهك مجرور؟ أترى من أهل الجحيم أنت أم من أرباب النعيم والقصور. فاز، والله، المخفون، وخسر هنالك المبطلون، إلا إلى الله تصير الأمور.
وأنشدوا:
مالي أراك على الذنوب مواظبا ... أأخذت من سوء الحساب أمانا
لا تغفلن كأن يومك قد أتى ... ولعل عمرك قد دنا أو حانا
ومضى الحبيب لحفر قبره مسرعا ... وأتى الصديق فأنذر الجيرانا
وأتو بغسّال وجاؤوا نحوه ... وبدا بغسلك ميتا عريانا
فغسلت ثم كسيت ثوبا للبلى ... ودعوا لحمل شريرك الإخوانا
وأتاك أهلك للوداع فودّعوا ... وجرت عليك دموعهم غدرانا
فخف الإله فانه من خافه ... سكن الجنان مجاورا رضوانا
_________
(١) النجب: جمع نجيب وهي الناقة الجيدة.
1 / 42