الفصل السابع
إخواني، الدنيا سموم قاتلة، والنفوس عن مكائدها غافلة، كم من نظرة تحلو في العاجلة، ومرارتها لا تطاق في العاقبة الآجلة. يا ابن آدم، قلبك قلب ضعيف، ورأيك في إطلاق الطرف وأى (١) سخيف. عينك مطلوقة، ولسانك يجني الآثام، وجسدك يتعب في كسب الحطام، كم من نظرة محتقرة زلت بها الأقدام.
عاتبت قلبي لما ... رأيت جسمي نحيلا
فلام قلبي طرفي ... وقال كنت الرسولا
فقال طرفي لقلبي ... بل كنت أنت الدليلا
فقلت كفا جميعا ... تركتماني قتيلا
كان عيسى ﵇ يقول: النظرة تزرع في القلب الشهوة.
وقال الحسن: من أطلق طرفه، كثر ألمه.
قال إبراهيم (٢):
ومن كان يؤتى من عدو وحاسد ... فإني من عيني أوتى ومن قلبي
وقد روي عن ابن عباس ﵁ أن رجلا جاء إلى رسول الله ﷺ وهو يتسلسل دما، فقال له النبي ﷺ: "ما بالك؟ " فقال: مرّت بي امرأة، فنظرت إليها، فلم يزل يتبعها بصري، فاستبقني جدار فضربني، فصنع بي ما ترى، فقال النبي ﷺ: "إن الله إذا أراد بعبد خيرا، عجّل له عقوبته في الدنيا (٣) ".
_________
(١) الوأى: الوهم.
(٢) هو إبراهيم بن العباس بن محمد بن صول. أحد الشعراء المجيدين، وكان جده صول أحد ملوك جرجان، وأسلم على يد يزيد بن المهلب بن أبي صفرة، وتوفي سنة ٢٤٣هـ. انظر: وفيات الأعيان ١/٤٤.
(٣) رواه الحاكم في المستدرك وصححه على شرط مسلم. ووافقه الذهبي.
1 / 37