Mer des Connaissances
بحر العلوم
وقوله ﷿: فَأَتَمَّهُنَّ، يعني عمل بهن. ويقال: كان إبراهيم أفضل الناس في زمانه، وكرم على الله تعالى فابتلاه الله ﷿ بخصال لم يبتل بها غيره، فكان من الابتلاء أن أمه ولدته في غار. ومن الابتلاء حيث نظر إلى الكوكب فقال: هذا ربي. وروى الحسن أنه قال: كان الابتلاء بثلاثة أشياء أولها: الابتلاء بالكوكب والشمس والقمر، والثاني: بالنار، والثالث: بأمر سارة. ويقال: كل من كان أكرم على الله كان ابتلاؤه أشد، لكي يتبين فضله ويستوجب الثواب. كما روي عن لقمان الحكيم أنه قال لابنه: يا بني الذهب والفضة يختبران بالنار، والمؤمن يختبر بالبلايا. فَأَتَمَّهُنَّ، أيّ عمل بهن. ويقال: فَأَتَمَّهُنَّ أي وفى بهن، فلما وفّى الأمر جعله الله تعالى إمامًا للناس ليقتدوا به. وفي هذا دليل: أن الإنسان لا يبلغ درجة الأخيار إلا بالتعب وجهد النفس، فلما جعله الله تعالى إمامًا، قالَ له: إِنِّي جاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمامًا والإمام الذي يؤتم به فأعجبه ذلك، وتمنى أن يكون ذلك لذريته بعده مثل ذلك، ف قالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي، يعني اجعلهم أئمة يقتدى بهم. قالَ لاَ يَنالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ، يعني الكافرين، يعني لا يصلح أن يكون الكافر إمامًا للناس. ويقال: لا تصيب رحمتي الكافرين.
فالله تعالى أخبره أنه يكون في ذريته كفار، وأخبره أنه لا ينال عهده من كان كافرًا.
قرأ حمزة وعاصم في رواية حفص: لاَ يَنالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ أي الكافرين يعني لا يصلح أن يكون الكافر إمامًا للناس. ويقال: لا تصيب الرحمة الكافر. فالله تعالى أخبره أنه يكون في ذنبه وأخبره أنه لا ينال عهده من كفر وكان كافرًا. قرأ حمزة وعاصم رواية حفص لاَ يَنالُ عَهْدِي بسكون الياء. وقرأ الباقون بنصب الياء عَهْدِي الظَّالِمِينَ وهما لغتان ومعناهما واحد.
[سورة البقرة (٢): آية ١٢٥]
وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثابَةً لِلنَّاسِ وَأَمْنًا وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقامِ إِبْراهِيمَ مُصَلًّى وَعَهِدْنا إِلى إِبْراهِيمَ وَإِسْماعِيلَ أَنْ طَهِّرا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ (١٢٥)
قوله تعالى: وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثابَةً لِلنَّاسِ وَأَمْنًا، يقول: وضعنا البيت، يعني الكعبة معادًا لهم، يعودون إليه مرة بعد مرة. وقال قتادة: مجمعًا للناس يثوبون إليه من كل جهة، وفي كل سنة فلا يقضون منها وطرًا. وَأَمْنًا، أي جعلناه أمنًا لمن التجأ إليه، يعني من وجب عليه القصاص. ولهذا قالوا: لو أن رجلًا وجب عليه القصاص فدخل الحرم، لا يقتص منه في الحرم. وهكذا روي عن ابن عمر أنه قال: لو وجدت قاتل عمر في الحرم، ما هيجته، أي ما أزعجته ولكن يمنع منه المنافع، حتى يضطر ويخرج فيقتص منه. ويقال: آمنًا لغير الممتحنين، وهي الصيود إذا دخلت الحرم أمنت. ويقال: آمنًا من الجذام.
ثم قال تعالى: وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقامِ إِبْراهِيمَ مُصَلًّى، قرأ نافع وابن عامر وَاتَّخِذُوا
1 / 91