Mer des Connaissances
بحر العلوم
مؤمنيهم فقتلوهم، وسبوهم، وأخرجوهم من ديارهم. وكان رئيسهم جالوت، فلما اضطر المسلمون في ذلك جاءوا إلى نبي لهم يقال له: أشمويل بن هلقانا- ﵇ بلغة العبرانية وبالعربية إسماعيل بن هلقان، إِذْ قالُوا لِنَبِيٍّ لَهُمُ، يعني أشمويل: ابْعَثْ لَنا مَلِكًا، يعني ادع لنا الله تعالى أن يجعل لنا ملكًا، يعني رجلًا ينتظم به أمرنا. نُقاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ.
ف قالَ لهم أشمويل: هَلْ عَسَيْتُمْ. قرأ نافع: هَلْ عَسَيْتُمْ بكسر السين، وقرأ الباقون: بالنصب، وهي اللغة المعروفة. والأول لغة لبعض العرب هَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتالُ أَلَّا تُقاتِلُوا، يعني إذا بعث الله لكم ملكًا وفرض عليكم القتال، لعلكم لا تقاتلون وتجبنون عن القتال. قالُوا وَما لَنا أَلَّا نُقاتِلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، يقول: كيف لا نقاتل في سبيل الله وَقَدْ أُخْرِجْنا مِنْ دِيارِنا وَأَبْنائِنا، يعني أخذوا ديارنا وسبوا أبنائنا.
فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتالُ، أي فرض عليهم القتال. تَوَلَّوْا وتركوا القتال ولم يثبتوا إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ، وهم ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلًا. وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ، يعني إن الله تعالى يعلم جزاء من تولى عن القتال.
ثم بيّن لهم القصة بقوله: وَقالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ اللَّهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طالُوتَ مَلِكًا، يعني قال: أجابكم ربكم إلى ما سألتم من بعث ملك تقاتلون في سبيل الله معه، وقد جعل لكم طالوت ملكًا وكان طالوت فيهم حقير الشأن، وكانت النبوة في بني لاوي بن يعقوب، والملك في سبط يهوذا. ولم يكن طالوت من أهل بيت النبوة ولا من أهل بيت الملك.
ويقال: كان رجلًا يبيع الخمر، ويقال: كان بقارًا، ويقال: كان دباغًا، ولكنه كان عالمًا فرفعه الله بعلمه. قالُوا أَنَّى يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ عَلَيْنا، يعني المسلمون قالوا لنبيهم: من أين يكون له الملك عَلَيْنا وَنَحْنُ أَحَقُّ بِالْمُلْكِ مِنْهُ؟ لأن منا الملوك. وَلَمْ يُؤْتَ طالوت سَعَةً مِنَ الْمالِ ينفق علينا. والملك يحتاج إلى مال ينفق على جنوده وأعوانه.
قالَ لهم نبيهم- ﵇: إِنَّ اللَّهَ اصْطَفاهُ عَلَيْكُمْ، يعني اختاره عليكم وَزادَهُ بَسْطَةً، أي فضيلة فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ وكان رجلًا جسيمًا وكان عالمًا. ويقال:
كان عالمًا بأمر الحرب. وَاللَّهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَنْ يَشاءُ وَاللَّهُ واسِعٌ عَلِيمٌ. والواسع في اللغة: هو الغني. ويقال: واسع بعطية الملك، عالم لمن يعطيه. ويقال: واسع يعني باسط الرزق، عليم بمن يصلح له الملك. فظنوا أنه يقول لهم من ذات نفسه. وقالوا له: إن كان الله تعالى أمرك بذلك، فأتنا بآية قال الله تعالى: وَقالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ آيَةَ مُلْكِهِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ التَّابُوتُ وذلك أن الكفار كانوا أخذوا التابوت، وكان التابوت للمسلمين، فإذا خرجوا للغزو والتابوت معهم كانوا يرجون الظفر. فأخذ الكفار التابوت ووضعوه في مزبلة- أي في مخرأة لهم- فابتلاهم الله
1 / 162