النثر: إن رمت أداء شكر الله على فضله المتناهي في استنفاذه لي من تلك القبيحة، والدنية الصريحة لم أؤد الفرض، ولا استطعت القرض، فالإقرار بالعجز نهاية، والاعتراف بالقصور غاية، فاستئنائي هناك، وسكوني إذ ذاك أنبتا ورقي ورقا، وجعلا فلقي فلقا.
نظمه: [المنسرح]
أشهد الأقحوان أن جناه ... كافر بالذي سواه جناه
قائل قول من تبرأ قدما ... من هوى من قضى عليه هواه
إن نور الربا عبيد وكل ... للبهار البهي يقضي ولاه
شهادة الخيري الأصفر
النثر: الحمد لله الذي عصمني من تلك الدنية، ولم يخيبني عن هذه النية، وبها بقيت غضارتي، وتأكدت نضارتي، ووهب لي الذهب الإبريز ملبسا، والمسك النفيس نفسا.
والنظم له: [الرمل]
أصفر الخيري يشهد ... أن عقد الورد قد رد
ويرى أن البهار ال ... منتقى أعلى وأمجد
ماك يقظان يأتي ... وصنوف النور هجد
هذا يا مولاي ما استطعت عليه، وانتهت مقدرتي إليه، فإن وافقك فبفضلك المشهور، أو كانت الأخرى فبالباع المنزور. ولك المن على الوجهين، والطول في الحالتين. أبقاك الله لأحوالنا تصلحها، ولآمالنا تنجحها، وصنع لك، وبلغك أملك. ولأبي جعفر بن الأبار في عدة من الأنوار أوصاف ساطعة الأنوار في رسالة كتب بها إلى صاحب الشرطة أبي الوليد بن العثماني، وكان سببها أني خرجت متنزها في فصل الربيع لأشرف على منظره البديع، وكان أبو جعفر بن الأبار في جملة من صحبني، وخاصة من تبعني، وتخلف أبو الوليد لعذر لحقه أوجب تخلفه.
فلما انصرفنا سال أبا جعفر وصف نزاهتنا، وذكر راحتنا، وإبراد ما اطلعنا عليه، ونظرنا إليه، مما تأسف على البعد منه، والانتزاح عنه.
فكتب إليه بهذه الرسالة وفيها فنون الرقة والجزالة، ووصلها بمدح الحاجب_وصل الله حرمته وأدام عزته_ وهي بعد مصدرها: "كتبت تسألني_لا خاب سائلك ولا حرم آملك_كيف كان تنزهنا وتوجهنا مع أبي الوليد شاكر خلتك، وحامد صحبتك. أراد_أبقاه الله ووقاه_التنزه إلى بعض ضياعه في فصل الربيع عندما أشفق من انصرامه وضياعه، وكنت في جملة من اصطحب، لا في صفوة من انتخب. فأمكنت من السير غرته، والصبح قد شدخت غرته، وجبين الجو طلق، وغلائل السماء زرق، وحاجب الشمس متطلع، وجيد الأنس متتلع، وريع العيش خصر، وبرد الأرض خضر، قد فوف من الزهر، بمثل الأنجم الزهر، والرياض راضية من الحيا متبرجة بعد الحياء، أهدت لها المزن دررها، فأبدت يواقيتها ودررها، وخشيت بالكتم عقوقها، فاستنفدت زمردها وعقيقها. إن حيتك بالشقائق فكاللدات الشقائق، مغلفات العصائب، منشرات الذوائب. أو بالنرجس والورد فكالعيون النواظر إلى الخدود النواضر، بل ذاك صبح مشتمل على شمس أصيل، وهذا خجل مستول على أسيل، أو سفرت عن البفسج الأنيق، فكلابس ثوب المسك الفتيق، وكأنما كسته لعسها الشفاه، فإذا تنسمه أو توسمه المحزون، قد شرقت بالطل مقلها، وضمخت بالمسك حللها، فما زلنا في أحسن مراد، وأقرب غاية مراد، من التماح يانع ذلك الزهر، حتى احتللنا قرية بشاطئ النهر، ولسان الهجير قائلة: لا تخطئكم بها القائلة، فأرحنا الجياد من البهر، ونمنا بها إلى صلاة الظهر، ثم قضينا الفرض، وشددنا الغرض، نؤم جانب الشرف متيامنين، ونقصد سمته متبادرين، حتى أرتنا غرته جمالها، وكستنا أشجاره ظلالها، فما زلنا نستعرض قراه إلى أن دعانا إلى قراه بواسطة منه، ومقللة الشمس غضيضة، وحشاشتها مريضة، فأجبناه إلى رغبته وحللنا بعقوته، وبتنا نتفدى بالنفوس، ونتعاطى نخب الكؤوس، من مدام الآداب، لا من مدام الأعناب، يتضوع عنها خلوق الشيم، ويضحك عليها حباب الكرم، وربما مزجناها بماء المزاح من غير لغو ولا جناح، فما زلنا نأخذها بالأذهان، حتى تبسم الليل عن صبحه، وقص جناح جنحه، فاشتملنا برد الائتلاف، واتفقت أراؤنا على الانصراف إلى حضرة المجد العليا، مقر عماد الدين والدينا إسماعيل بن محمد بن عباد، خير واطئ الصعيد، ومرو للصعاد، من بخل نداه، وقيد البرق مداه، وضمخ الآفاق ثناؤه، وبهر العيون سناؤه، ورجح بالجبال حلمه، وأحاط بالليل علمه، أدام الله له العز، ووصل له التأييد والحرز".
1 / 19