نتهادى من الهوى ما نشاء
نعم تصرم حبل ذلك الزمان السعيد، وخلفه آخر أسود من الغراب وأمر من الصاب، يصدق فيه قول الشاعر:
ذهب الذين يعاش في أكنافهم
وبقيت في خلف كجلد الأجرب
ولولا أنه أراد الإنسان وأردت الزمان فكلاهما غادر ماكر لا يؤمن كيده ولا يتقى شره، ولا رعى الله حياة التدريس لأطفال حمر الحواصل، لا يحسنون النطق، ولا يفرقون بين التمرة والجمرة، ولا بين الألف والمئذنة، حياة شبيهة بالموت، تمسخ العالم جاهلا، وتقلب المفكر غبيا، وترجع بالمرء إلى ما قبل الآن بعشرات من السنين ... فتجاوز عما تمر به في كتابي من أشياء لا ترضيك؛ فهذه إحدى سيئات الدهر إلينا.
وفي هذا الخطاب كلمة قاسية في وصف بورسعيد؛ إذ يراها «قطعة من أوروبا في الأخلاق والنظام والعادات»، وقد رأيت التجاوز عن هذه الكلمة، مراعاة لعواطف أولئك الناس، فقد تكون الغربة أثرت في ذلك الأديب فقال ما قال!
ولا أنسى أنه أجزل الثناء على صديقيه الشيخ محمد طاهر سمره ومحمد أفندي بهجت، ولعلهما كانا زميليه في المدرسة الواصفية، وأحب أن يتنبه القارئ إلى أن في القطعة التي نقلتها من خطابه دليلا على شعوره بأن أجله قصير، وقد لفتني إلى ذلك حضرة صاحب الفضيلة الشيخ مصطفى القاياتي حين أسمعته هذا الخطاب في سنتريس - وكان شرفني بالزيارة هناك.
وقد أرسل إلي من مصر خطابا رقيق الحاشية، استهله بهذا البيت:
سلام الله لا أرضى سلامي
فكل تحية دون المقام
Page inconnue