إن لك بيانا ولسانا، فأين الذي لهما من أثر في هذه الآونة؟ إن قلت قلنا، وإن سكت سكتنا، وليس بنا أن نجحد فضلك.
لقد هجت عجبا وأحدثت طربا حيث تقول: «فمن كان أكثر الناس إشادة بذكر الحرية، وتغنيا بالاستقلال، فهو شاعرنا المفلق، وكاتبنا المبدع، وإن كان شعره منحل العقد ونثره مختل البناء.»
إن للغربان والضفادع أوطانا، وفي الحق أن يذود كل ذي وطن عن وطنه، بيد أنه ليس بحسن ولا جميل نعيب الغربان ونقيق الضفادع! أكل صائحة تطربك أيها الأستاذ؟ رويدا لا يسمعك الأدعياء والمتشاعرون، فتملأها علينا نعيبا ونقيقا، لا والله لا يحسن الذياد عن الوطن ولا النضح عنه حتى يكون قولا عليه مسحة السحر، وله أخذ كأخذ النفث في العقد ينزل على حكمه العصي ويصحب الجموح، أين أنت من البلابل المغردة والطيور الساجعة، أمثال كتاب الأفكار ولا أمثال لهم؟!
عد عن ذا - كما يقول الشعراء - وتعال إلى حديث بشاشة وإحسان، بعد حديث عتب وإعتاب، لقد علمت أن جريدة الأفكار أندى الجرائد صوتا بالحق، وأرحبها صدرا للحرية، فبعثت إليها بكلمة طريفة في سبيل الوطن، وأكبر ظني أن رئيس تحريرها النبيل متفضل بنشرها، فإن نشرت فلن تفتري - إن كنت من الممترين - في أن الشعراء يفون لوطنهم بعض الوفاء وأن لهم قلوبا ترعى كرامة الوطن، وكرامة الأدب، ولعلك تقول مكان «وا حر قلباه!»: «وا طرباه!» والسلام.
حسن القاياتي
9
لقد سبقت كلمتنا في إعتاب السيد حسن القاياتي، وكنا حسبناه أكبر ما شرحناه، إجلالا للوطنية، وأحمد ما كتبناه، إعظاما للحرية فإذا به يدأب في العتب، ويصر على المحاسبة، كأن ليس لنا عنده من عذر، وكأن الشعراء ليسوا بخاطئين.
أراد السيد حسن أن يعتذر عن إخوانه الشعراء، وأن يغسل عنهم عار الكسل والخمول، فذكر من عنت الدهر، وريب الزمن، ما ظنه شافعا في سكوتهم، مبررا لجمودهم، كأن في ضم الفكرة إلى مثلها، ووضع البيت بجانب البيت، شيئا من التجمهر يأباه القانون، ونوعا من المظاهرة تحاربه السلطة، وكأن القصيدة ذات القوافي الكثيرة، والفكر العديدة شبيهة بالعصبة تجتمع في طريق واحد، لغرض واحد، وكأن الشاعر الشاكي الخيال شبيه بالثائر الشاكي السلاح.
قد يكون الشعر الباهر، كالسيف القاهر، وقد تكون القصائد البارعة كالقنابل الرادعة، وقد يتهيب جانب الشاعر، فوق ما يتهيب جانب الفارس، فيكون من كل هذا عذر لإخواننا الشعراء ورفقائنا الأدباء، ويكون سكوتهم من الجبن أبعد، وإلى الحزم أقرب.
ولكن ألا يجب يا صديقي السيد حسن أن يكون لعصرنا من طريف الاستعارات، وحديث المجازات، ما يرفع ذكرنا في الأواخر، ويلحقنا بالأوائل ممن لبسوا لكل حالة لبوسها فصرحوا تارة، ولمحوا أخرى ، ونالوا بالمثل الخرافي، ما لم ينالوا بالشعر الحماسي، أفكانوا بقومهم ناهضين، لأعدائهم قاتلين؟
Page inconnue