Merveilles de l'imagination
بدائع الخيال
Genres
الحكاية الأولى
بم يعيش الناس؟
كان سيمون صانع أحذية لا يملك من الأرض قيد شبر، وكان يقطن كوخا لأحد الفلاحين ويعيش من كسب يده، لقد كان العمل إذ ذاك كاسدا وحركته خامدة، وزاد الطين بلة أن سبل العيش كانت مجهدة، ونار الغلاء متأججة في كل حاجيات الحياة؛ لذلك كان كل ما يقبضه سيمون ثمنا لعرق جبينه ينفقه في سبيل الحصول على قوت يتبلغان به هو وزوجه.
لم يكن لذلك الشيخ وزوجه إلا غطاء جلدي يتقاسمانه سويا؛ ليدفع عنهما قر الشتاء، ولقد استنهرت فتوق ذلك الغطاء فكان هذا هو العام الثاني الذي احتاجا فيه إلى شراء غطاء آخر، لذلك خرج سيمون متوكئا على عصاه موليا وجهه شطر القرية؛ حيث يمكنه أن يجمع من بعض القرويين ما هم مدينون به من النقود، فوفى له بعضهم، وأمهله البعض، ونقده أحدهم عشرين كوبكا،
1
فلم يكن ذلك المبلغ كافيا لشراء الغطاء، ولكنه كاف لأن يدفعه سيمون ثمنا لبعض كئوس من الفوتكا،
2
بعدئذ قفل راجعا إلى منزله كسير القلب، وأخذ يهذي في طريقه؛ تارة عن غضب زوجه وسخطها عليه، وآونة يخاطب القروي الذي أعطاه عشرين (كوبكا) قائلا: «قف قليلا! وانقدني كل ما أنت مدين به. إنك أعطيتني عشرين (كوبكا) فقط وادعيت الفاقة، ولكن ماذا يهمني؟ وماذا عساي أن أفعل بهذا المبلغ؟! إنك تملك دورا وماشية، وأما أنا فلا أملك إلا ما أسد به الرمق، إنك تملك الحقول الغنية بالحب والثمر، وأما أنا فأشتري كل حبة من قوت يومي، إنك تستزيد من كل شيء وأما أنا فأحتاج إلى أقل شيء؛ فأنت مترف ذو نعمة، وأنا شقي ذو متربة، إذن يجب أن تدفع، هلم لا تتردد.»
وما وصل من هذيانه إلى هذا الحد حتى كان قد انتهى إلى معبد مقام عند منعطف الطريق، فنظر وإذا به يرى شبحا أبيض يلوح وراء المعبد، فلم يتبينه تماما؛ لأن طلائع الليل أخذت تطرد جيوش النهار من تلك البطاح والوديان ثم أخذ يسائل نفسه: «ما عسى أن يكون هذا الشبح؟ إنه حجر أبيض، ولكني لم أشاهد هنا حجرا قبل الآن، ألا يكون نورا إذا؟ ولكن لا، فإن رأسه تماثل رأس الإنسان إلا أنها ناصعة البياض، وما عسى أن يفعل الإنسان هناك؟» ثم اقترب من الشبح قليلا قليلا حتى تجلت أمامه حقيقته، وزال ما خامر فؤاده من الريب.
ماذا رأى؟ رأى رجلا عاري الجسد جالسا بانحناء وراء المعبد لا حراك به، فتوجس سيمون من نفسه خيفة، وهاله ذلك المنظر، وظن أن أحد القرويين ظفر به فقتله ثم تركه في تلك البقعة، فأوسع خطاه، وسار من أمام المعبد حتى لا يمر بالشبح، ثم حانت منه التفاتة إلى الوراء فرأى الرجل يتبعه بنظراته فدب في قلبه دبيب من الرعب والإشفاق، وأخذ يفكر فيما إذا كان يرجع إليه ليستقصي خبره ويستفسر عن حاله، أو يستمر في طريقه، فآثر الأخرى، وظن أنه إن دنا منه فهو ليس بناج من شروره، وأيضا فهو غير قادر على إغاثة رجل عاري الجسد!
Page inconnue