هو رجل من عاملة، فقال جرير: هو من الذين قال الله فيهم: " عاملة ناصبة تصلى نارًا حامية ". قال: ويلك يا ملعون! فأنشأ جرير يقول:
يقصر باع العاملي عن الندى ... ولكن أير العاملي طويل
فابتدر عدي فقال:
أأمك يا ذا أخبرتك بطوله ... أم أنت امرؤ لم تدر كيف تقول!
فقال جرير: امرؤ لم أدر كيف أقول. فوثب عدي فأكب على رجل الوليد يقبلها ويقول: أجرني منه يا أمير المؤمنين. فالتفت الوليد إلى جرير وقال: وتربة عبد الملك لئن هجوته لألجمنك ولأسرحن عليك ولأطيفنك بدمشق. فيعيرك الشعراء بذلك، فخرج جرير فصنع قصيدته التي أولها:
حي الهدملة من ذات المواعيس ... فالحنو أصبح قفرًا غير مأنوس
افتخر فيها بنزار وعدد أيامهم، وهجا قحطان، وعرض بعدي ولم يسمه، فقال:
أقصر فإن نزارًا لا يفاخرهم ... فرع لئيم وأصل غير مغروس
وابن اللبون إذا مالز في قرنٍ ... لم يستطع صولة البزل القناعيس
ومن ذلك ما رواه عوانة بن الحكم ويحيى بن عنبسة القرشي
قالا: اجتمع جرير والفرزدق عند بشر بن مروان، فقال لهما: إنكما قد تقارضتما الأشعار، وتطالبتما الآثار، وتقاولتما الفخار، وتهاجيتما؛ فأما الهجاء فلا حاجة لي فيه، ولكن جددا بين يدي فخرًا، ودعا ما مضى، فقال الفرزدق:
نحن السنام والمناسم غيرنا ... ومن ذا يسوى بالسنام المناسما!
فقال جرير:
على مقعد الأستاه أنتم زعمتم ... وكل سنام تابع للغلاصم
فقال الفرزدق:
على محرثٍ للفرث أنتم زعمتم ... ألا إن فوق الغلصمات الجماجما
فقال جرير:
وأنبأتمونا أنكم هام قومكم ... ولا هام إلا تابع للخراطم
فقال الفرزدق:
فنحن الزمام القائد المقتدى به ... من الناس، ما زلنا فلسنا لهازما
فقال جرير:
1 / 10