187
أنه قال: سرت يومًا إلى علي بن الجهم، فأنشدني لنفسه في العناق: ولم أنسى ليلًا ضمنا بعد فرقةٍ ... وأدنى فؤادًا من فؤادٍ معذب وبتنا جميعًا لو تراق زجاجة ... من الراح فيما بيننا لم تسرب فانقدح زني لإيراد مثله، فأطرقت وقلت بديهًا: لا والمنازل من نجدٍ وليلتنا ... بفيد إذ جسدانا في الهوى جسد كم رام فينا الكرى من لطف مسلكه ... سيرًا فما أنفك لاخد ولا عضد ما أنصفوني، دعوني فاستجبت لهم ... حتى إذا قربوني منهم بعدوا أنبأني المقدسي عن القيروان عن السرقسطي عن الحميدي، قال: حكوا أن عبد الله بن عاصم صاحب الشرطة كان أديبًا شاعرًا سريع البديهة، كثير النوادر من جلساء الأمير عبد الرحمن - ذكره غير واحد - وحكوا أنه دخل عليه في يوم غيم، وبين يديه غلام حسن المحاسن، جميل الزي، لين الأخلاق. فقال له: ما يصلح ليومنا هذا؟ فقال: عقار تنفر الذبان وتؤنس الغزلان، وحديث كقطع الروض قد سقطت فيه مؤنة التحفظ وأرخي علي عنان التبسط، يديرها هذا الأغيد المليح. فضحك ثم أمر بالغناء وآلات الصهباء، فلما دارت الكئوس واستمطر الأمير نوادره واستطرد بوادره. وأشار إلى الغلام أن يلح عليه، فلما أكثر رفع رأسه إليه وقال على البديهة: يا حسن الوجه لا تكن صلفًا ... ما لحسان الوجوه والصلف تحسن أن تحسن القبيح ولا ... ترثي لصبٍ متيمٍ دنف فاستبدع الأمير بديهته، وأمر له ببدرة. ويقال إنه خيرة بينها وبين الوصيف فاختارها نفيًا للظنة عنه. وذكر أن الخليع حضر مجلس المتوكل في جملة الندماء وقد كبر سنه، وضعف جسمه، وبين يديه شفيع خادمه ينضد وردًا، وعليه قراطق موردة، ولم يكن في عصره خادم أحسن منه، فأمره المتوكل أن يحييه بوردة، ويغمز يده ليحرك خاطره، ففعل فارتجل: وكالوردة البيضاء حيا بوردةٍ ... من الحمر يمشي في قراطق كالورد سقاني بعينيه وكفيه شربةً ... فأذكرني ما قد نسيت من العهد له عبثات عند كل تحيةٍ ... بكفيه تستدعي الخلي إلى الوجد

1 / 192