Les Merveilles des Merveilles dans l'Organisation des Lois
بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع
Maison d'édition
مطبعة شركة المطبوعات العلمية ومطبعة الجمالية ووصَوّرتْها: دار الكتب العلمية وغيرها
Édition
الأولى
Année de publication
1327-1328
Lieu d'édition
القاهرة وبيروت
Genres
Fiqh hanafite
الْوُجُوبِ، وَفِي بَيَانِ مَنْ تَجِبُ عَلَيْهِ وَمَنْ لَا تَجِبُ وَيَتَضَمَّنُ بَيَانَ شَرَائِطِ الْوُجُوبِ، وَفِي بَيَانِ شَرَائِطِ جَوَازِهَا، وَفِي بَيَانِ مَحِلِّ أَدَائِهَا، وَفِي بَيَانِ كَيْفِيَّةِ أَدَائِهَا، وَفِي بَيَانِ سَبَبِهَا، وَفِي بَيَانِ مَوَاضِعِهَا مِنْ الْقُرْآنِ.
أَمَّا الْأَوَّلُ فَقَدْ قَالَ أَصْحَابُنَا: إنَّهَا وَاجِبَةٌ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: إنَّهَا مُسْتَحَبَّةٌ وَلَيْسَتْ بِوَاجِبَةٍ وَاحْتَجَّ بِحَدِيثِ الْأَعْرَابِيِّ حِينَ عَلَّمَهُ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ الشَّرَائِعَ، فَقَالَ: هَلْ عَلَيَّ غَيْرُهُنَّ؟ قَالَ: لَا إلَّا أَنْ تَطَّوَّعَ فَلَوْ كَانَتْ سَجْدَةُ التِّلَاوَةِ وَاجِبَةً لَمَا اُحْتُمِلَ تَرْكُ الْبَيَانِ بَعْدَ السُّؤَالِ، وَعَنْ عُمَرَ ﵁ أَنَّهُ تَلَا آيَةَ السَّجْدَةِ عَلَى الْمِنْبَرِ وَسَجَدَ ثُمَّ تَلَاهَا فِي الْجُمُعَةِ الثَّانِيَةِ فَتَشَوَّفَ النَّاسُ لِلسُّجُودِ فَقَالَ: أَمَا إنَّهَا لَمْ تُكْتَبْ عَلَيْنَا إلَّا أَنْ نَشَاءَ.
(وَلَنَا) مَا رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ ﵁ عَنْ النَّبِيِّ ﷺ أَنَّهُ قَالَ: «إذَا تَلَا ابْنُ آدَمَ آيَةَ السَّجْدَةِ فَسَجَدَ اعْتَزَلَ الشَّيْطَانُ يَبْكِي وَيَقُولُ: أُمِرَ ابْنُ آدَمَ بِالسُّجُودِ فَسَجَدَ فَلَهُ الْجَنَّةُ وَأُمِرْتُ بِالسُّجُودِ فَلَمْ أَسْجُدْ فَلِيَ النَّارُ»، وَالْأَصْلُ أَنَّ الْحَكِيمَ مَتَى حَكَى عَنْ غَيْرِ الْحَكِيمِ أَمْرًا وَلَمْ يَعْقُبْهُ بِالنَّكِيرِ يَدُلُّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّهُ صَوَابٌ فَكَانَ فِي الْحَدِيثِ دَلِيلٌ عَلَى كَوْنِ ابْنِ آدَمَ مَأْمُورًا بِالسُّجُودِ وَمُطْلَقُ الْأَمْرِ لِلْوُجُوبِ وَلِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى ذَمَّ أَقْوَامًا بِتَرْكِ السُّجُودِ فَقَالَ: ﴿وَإِذَا قُرِئَ عَلَيْهِمُ الْقُرْآنُ لا يَسْجُدُونَ﴾ [الانشقاق: ٢١] وَإِنَّمَا يُسْتَحَقُّ الذَّمُّ بِتَرْكِ الْوَاجِبِ وَلِأَنَّ مَوَاضِعَ السُّجُودِ فِي الْقُرْآنِ مُنْقَسِمَةٌ مِنْهَا مَا هُوَ أَمْرٌ بِالسُّجُودِ وَإِلْزَامٌ لِلْوُجُوبِ كَمَا فِي آخِرِ سُورَةِ الْقَلَمِ، وَمِنْهَا مَا هُوَ إخْبَارٌ عَنْ اسْتِكْبَارِ الْكَفَرَةِ عَنْ السُّجُودِ فَيَجِبُ عَلَيْنَا مُخَالَفَتُهُمْ بِتَحْصِيلِهِ، وَمِنْهَا مَا هُوَ إخْبَارٌ عَنْ خُشُوعِ الْمُطِيعِينَ فَيَجِبُ عَلَيْنَا مُتَابَعَتُهُمْ لِقَوْلِهِ تَعَالَى ﴿فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهِ﴾ [الأنعام: ٩٠] وَعَنْ عُثْمَانَ، وَعَلِيٍّ، وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ، وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسِ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ ﵃ أَنَّهُمْ قَالُوا: السَّجْدَةُ عَلَى مَنْ تَلَاهَا، وَعَلَى مَنْ سَمِعَهَا، وَعَلَى مَنْ جَلَسَ لَهَا عَلَى اخْتِلَافِ أَلْفَاظِهِمْ وَعَلَى كَلِمَةِ إيجَابٍ.
وَأَمَّا حَدِيثُ الْأَعْرَابِيِّ فَفِيهِ بَيَانُ الْوَاجِبِ ابْتِدَاءً لَا مَا يَجِبُ بِسَبَبٍ يُوجَدُ مِنْ الْعَبْدِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ الْمَنْذُورَ وَهُوَ وَاجِبٌ وَأَمَّا قَوْلُ عُمَرَ ﵁ فَنَقُولُ بِمُوجَبِهِ: إنَّهَا لَمْ تُكْتَبْ عَلَيْنَا بَلْ أُوجِبَتْ، وَفَرْقٌ بَيْن الْفَرْضِ وَالْوَاجِب عَلَى مَا عُرِفَ فِي مَوْضِعِهِ.
[فَصْلٌ بَيَانُ كَيْفِيَّةِ وُجُوبِ سَجْدَةِ التِّلَاوَةِ]
(فَصْلٌ):
وَأَمَّا بَيَانُ كَيْفِيَّةِ وُجُوبِهَا فَأَمَّا خَارِجَ الصَّلَاةِ فَإِنَّهَا تَجِبُ عَلَى سَبِيلِ التَّرَاخِي دُونَ الْفَوْرِ عِنْدَ عَامَّةِ أَهْلِ الْأُصُولِ؛ لِأَنَّ دَلَائِلَ الْوُجُوبِ مُطْلَقَةٌ عَنْ تَعْيِينِ الْوَقْتِ فَتَجِبُ فِي جُزْءٍ مِنْ الْوَقْتِ غَيْرِ عَيْنٍ وَيَتَعَيَّنُ ذَلِكَ بِتَعْيِينِهِ فِعْلًا، وَإِنَّمَا يَتَضَيَّقُ عَلَيْهِ الْوُجُوبُ فِي آخِرِ عُمُرِهِ كَمَا فِي سَائِرِ الْوَاجِبَاتِ الْمُوَسَّعَةِ.
(وَأَمَّا) فِي الصَّلَاةِ فَإِنَّهَا تَجِبُ عَلَى سَبِيلِ التَّضْيِيقِ لِقِيَامِ دَلِيلِ التَّضْيِيقِ وَهُوَ أَنَّهَا وَجَبَتْ بِمَا هُوَ مِنْ أَفْعَالِ الصَّلَاةِ وَهُوَ الْقِرَاءَةُ فَالْتَحَقَتْ بِأَفْعَالِ الصَّلَاةِ وَصَارَتْ جُزْءًا مِنْ أَجْزَائِهَا وَلِهَذَا يَجِبُ أَدَاؤُهَا فِي الصَّلَاةِ وَلَا يُوجِبُ حُصُولُهَا فِي الصَّلَاةِ نُقْصَانًا فِيهَا، وَتَحْصِيلُ مَا لَيْسَ مِنْ الصَّلَاةِ فِي الصَّلَاةِ إنْ لَمْ يُوجِبْ فَسَادَهَا يُوجِبُ نُقْصَانًا، وَإِذَا الْتَحَقَتْ بِأَفْعَالِ الصَّلَاةِ وَجَبَ أَدَاؤُهَا مُضَيَّقًا كَسَائِرِ أَفْعَالِ الصَّلَاةِ بِخِلَافِ خَارِجِ الصَّلَاةِ؛ لِأَنَّ هُنَاكَ لَا دَلِيلَ عَلَى التَّضْيِيقِ وَلِهَذَا قُلْنَا إذَا تَلَا آيَةَ السَّجْدَةِ فَلَمْ يَسْجُدْ وَلَمْ يَرْكَعْ حَتَّى طَالَتْ الْقِرَاءَةُ ثُمَّ رَكَعَ وَنَوَى السُّجُودَ لَمْ يُجْزِهِ.
وَكَذَا إذَا نَوَاهَا فِي السَّجْدَةِ الصُّلْبِيَّةِ؛ لِأَنَّهَا صَارَتْ دَيْنًا وَالدَّيْنُ يُقْضَى بِمَا لَهُ لَا بِمَا عَلَيْهِ وَالرُّكُوعُ وَالسُّجُودُ عَلَيْهِ فَلَا يَتَأَدَّى بِهِ الدَّيْنُ عَلَى مَا نَذْكُرُ وَلِهَذَا قُلْنَا: إنَّهُ لَا يَجُوزُ التَّيَمُّمُ لِلتِّلَاوَةِ فِي الْمِصْرِ؛ لِأَنَّ عَدَمَ الْمَاءِ فِي الْمِصْرِ لَا يَتَحَقَّقُ عَادَةً وَالْجَوَازُ بِالتَّيَمُّمِ مَعَ وُجُودِ الْمَاءِ لَنْ يَكُونَ إلَّا لِخَوْفِ الْفَوْتِ أَصْلًا كَمَا فِي صَلَاةِ الْجِنَازَةِ وَالْعِيدِ وَلَا خَوْفَ هَهُنَا لِانْعِدَامِ وَقْتٍ مُعَيَّنٍ لَهَا خَارِجَ الصَّلَاةِ فَلَمْ يَتَحَقَّقْ التَّيَمُّمُ طَهَارَةً وَالطَّهَارَةُ شَرْطٌ لِأَدَائِهَا بِالْإِجْمَاعِ.
[فَصْلٌ فِي سَبَبُ وُجُوبِ السَّجْدَةِ]
(فَصْلٌ):
وَأَمَّا سَبَبُ وُجُوبِ السَّجْدَةِ فَسَبَبُ وُجُوبِهَا أَحَدُ شَيْئَيْنِ: التِّلَاوَةُ، أَوْ السَّمَاعُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى حَالِهِ مُوجِبٌ فَيَجِبُ عَلَى التَّالِي الْأَصَمِّ وَالسَّامِعِ الَّذِي لَمْ يَتْلُ.
أَمَّا التِّلَاوَةُ فَلَا يُشْكِلُ وَكَذَا السَّمَاعُ لِمَا بَيَّنَّا أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَلْحَقَ اللَّائِمَةَ بِالْكُفَّارِ لِتَرْكِهِمْ السُّجُودَ إذَا قُرِئَ عَلَيْهِمْ الْقُرْآنُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى ﴿فَمَا لَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ﴾ [الانشقاق: ٢٠] ﴿وَإِذَا قُرِئَ عَلَيْهِمُ الْقُرْآنُ لا يَسْجُدُونَ﴾ [الانشقاق: ٢١]، وَقَالَ تَعَالَى ﴿إِنَّمَا يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا الَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِهَا خَرُّوا سُجَّدًا﴾ [السجدة: ١٥] الْآيَةَ، مِنْ غَيْرِ فَصْلٍ فِي الْآيَتَيْنِ بَيْنَ التَّالِي وَالسَّامِعِ، وَرَوَيْنَا عَنْ كِبَارِ الصَّحَابَةِ ﵃ السَّجْدَةُ عَلَى مَنْ سَمِعَهَا وَلِأَنَّ حُجَّةَ اللَّهِ تَعَالَى تَلْزَمُهُ بِالسَّمَاعِ كَمَا تَلْزَمُهُ بِالتِّلَاوَةِ فَيَجِبُ أَنْ يَخْضَعَ لِحُجَّةِ اللَّهِ تَعَالَى بِالسَّمَاعِ كَمَا يَخْضَعُ بِالْقِرَاءَةِ.
وَيَسْتَوِي الْجَوَابُ فِي حَقِّ التَّالِي
1 / 180