79

La Porte de la Lune

باب القمر

Genres

قل هو الله أحد * الله الصمد * لم يلد ولم يولد * ولم يكن له كفوا أحد

قال الحارث: وتسمون هذا هذيانا! فما الرشد إذن يا مداره العرب! هل تحفظون شيئا غير هذا؟ خبرني أنت يا نضر. أنا أعلم أنك تتعقبه وتحول بينه وبين دعوة الناس إلى دينه، قال: لا تقل دينه بل قل سحره. إني أعتقد أنه يعرف شيئا من السحر. قال فما سمعت من سحره؟ قال سمعته يصلي في بعض الشعاب ويقول كلاما من سجع الكهان لا بأس به، ولا أدري من حفظه إياه، ولكنه الصبأة كلها عن ديننا. سمعته يتلو:

الحمد لله رب العالمين * الرحمن الرحيم * مالك يوم الدين * إياك نعبد وإياك نستعين * اهدنا الصراط المستقيم * صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين

ثم يؤمن.

قال الحارث: يا أولادي. لا أقول لكم اتبعوا محمدا، إن الهدى من الله، ولا تدخل في شئونكم، ولكني أرجو ألا يكون الرجل منكم مكابرا. فإن المكابرة لا تدحض رأيا، وإنما هي أعود على صاحبها بالذلة، وأشد في إظهار الحجة، وخير للرجل إذا لم يكن يهمه وجه الصواب من الأمر أن يسكت وينزوي، لا أن ينهض ويجأر بتكذيبه، فإنه إن يجأر أعلن صدق خصمه متطوعا، كالذي يرى نورا ثم ينهض ويستشهد بالناس على أنه لا نور. لن يلقى منهم إلا تكذيبا لقوله، وتعجبا له، وربما اتهموه في أنفسهم بالجنون هذا إذا كانت له كرامة عندهم؛ فإن لم تكن له كرامة، فسيكذبونه في وجهه وينضمون إلى خصمه. من أجل هذا أرى من الحكمة ألا تضاروا الرجل ولا تؤذوه ولا تعيبوه، فإن الأذى والعيب أعود عليكم، ولقد رأيت من طبيعة محمد ما يجعل هذا الأذى وهذا العيب أفعل في جمع القلوب حوله؛ إنه لا يرد سفاهة سفيه، ولا يستعدي عليه بل يدعو له الله أن يبصره ويهديه. فما أن يسمع بذلك سامع حتى يحب الرجل ويكره شانئه، ويؤمن به ويخلع أعاديه، ولكم في قصة فتنة مثل قريب. لقد سمعتموها في دار ابن جدعان.

قال النضر: إننا إن سكتنا عنه أصبح سيدنا وسيد العرب، ولم يصبح لنا في الدنيا شأن، وقال ابن أبي معيط: ومن هو في الناس؟ أليس هو اليتيم الذي عاش عالة على أهله، ولم يكن يمتلك شيئا حتى ملكته بنت خويلد بعيرين حين استأجرته كما تستاجر الغلمان، وقال العاص بن وائل: أتريد يا حارث أن يتملك الحكم في مكة وبلاد العربية رجل كهذا؟ قال: ما طلب الرجل هذا. على أنه إن فعل فمن بر الله أن يكون في يده هدايتكم. أليس محمد حفيد عبد المطلب بن هاشم الذي حمى الكعبة برأيه وكان سيد قريش. قال عقبة: وأين هذا من ذاك؟ قال: إنما أنتم في هذا مكابرون. أنتم ترون المجد في المكاثرة بالأموال وهذا غاية الضلال. لعمري إن في صنعاء زعانف أغنى منكم أجمعين. إني راحل في الغد إلى صنعاء، فقد سئمت المقام في جواركم، ولكني أريد أن أسألكم قبل الرحيل سؤالا، فإما رشدتم، وإما فإثمكم على أنفسكم. قالوا: سل ما تريد. قال ألستم يا قريش أبناء إبراهيم؟ قالوا: بلى. قال: ألستم لهذا أحق الناس باتباع ملة إبراهيم وإعلاء شأنها؟ قالوا: بلى، ولكن من يأتينا بملة إبراهيم؟ قال هي معكم ولكنكم تنكرون، وقد علمت أن محمدا لم يأتكم حتى اليوم بجديد. قالوا: فما خطبنا إذن؟ قال الحارث: كنتم عليها، ولكنكم صبأتم في الزمان مرة. ملتم عن طريقها خطوة واحدة، وسرتم فيما ملتم؛ فانفرج الطريقان أحدهما عن الآخر، فإذا نهاية هذا شرقا، وإذا نهاية ذاك غربا. ذلك يوم أتى لكم عمرو بن لحي

2

بصنم من الشام يستسقي به. يومئذ صبأتم عن ملة أبيكم الذي كسر الأصنام وألقي بها في النار، وإذا كان محمد بن عبد الله يريد أن يردكم إلى الصراط المستقيم الذي شرد عنه ابن لحي وشرد الناس معه؛ لتعبدوا الله موحدين، منزهين له عن الشرك، الواحد الأحد الذي كنتم تعبدون. فأي جرم لمحمد عندكم يستوجب أن تظهروا صغاركم للناس في معاداته؟ إن كان محمد يدعوكم أن تكونوا حنفاء، وأن تزيلوا هذه الأحجار الصماء التي أثقلتم بها كاهل البيت؛ بيت أبيكم إبراهيم، فقد والله صدق، وأنا به أول المؤمنين. أين هو يا نضر؟ إني أريد أن أعلن إيماني به قبل رحلتي إلى اليمن. أين هو؟ قال النضر: لماذا تسألني يا أبي؟ إني لا أعرف. أأنا من غلمانه؟ قال: لا، ولكني أعلم أنكم وضعتم عليه العيون والأرصاد، وشددتم عليه المراقبة هذه الأيام. قال: تريد أن تلقاه؟ قال: نعم. قال: أدركني إنه في أسفل ثنية الحجون، ثم نهض مغضبا حانقا وهو يقول: أما وحق إبراهيم، لأخلين الأرض منه الساعة . لقد كنا نأتمر به قبل أن تدخل علينا بحكمة لحيتك الشمطاء، وكنت مترددا في أن أكون أنا أول ضارب؛ لأنه ابن خالتي. أما الآن فلا. سآتيك برأسه قبل أن ينفض هذا المجلس ...

ثم مرق الأحمق من البيت كالسهم قاصدا ثنية الحجون.

3

Page inconnue