ولكن كل شيء في هذا المكان كان غريبا، فليس على الماء حي ولا أثارة من حي، والماء داعية الإنسان والحيوان إلى التعمير إلا ما كان من أثاف قليلة، وبعرات متناثرة، وبقية من عظام كانت كأنها بقايا سفر نزل به من قبل.
على أن هذه الوقيعة لم تكن كغيرها من المستنقعات، فهي لم تكن مبللة الجوانب، بل كان ثراها ترابا جافا، وكان الفلج أشبه بالأخدود لجفافه، كأن لم يكن لهذا ولا لذاك عهد بالماء إلا الآن، وإن لاح بالفلج أثر قديم منه ولكنه لم يعر ذلك التفاتا ومضى، فما كاد يتوسط الخميلة على صغرها حتى رأى نفسه يكاد يصطدم بعوارض من أعجاز النخل علقت بين الأشجار على قامة من الأرض أو بعض ذلك فسرعان ما لوى عنان راحلته ليقيها ويقي نفسه أثر الصدمة وكذلك نجا. ثم أوقفها ليتبين طريقا يمر منه، ولكنه وجد أن الحائل ممتد إلى اليمين ومنعطف وإلى اليسار ومتصل بجدار الجبل، فقدر أنها حظيرة صنعتها قافلة سابقة، ثم تركتها ومضت، وحمد الله على أنه رأى الحائل قبل أن تصطدم به الناقة، وفيما هو يلوي عنانها ليخرج من حيث أتى ويلتمس الطريق اخترق سكون المكان صوت أجش مزعج يقول له في إنذار ووعيد: قف: إنك في رحاب النسر فلا تمل وإلا هلكت. أنخ واعقل.
ذعر ورقة لهذا الصوت ذعرا شديدا، لأنه جاء فجأة وزاده ذعرا أنه لم يعرف من أين أتى. ولا كيف يتبينه، وشعر أنه وقع في أحبولة لص من قطاع الطرق، ولكنه لم يكن يملك إلا أن يقف، فوقف متهيبا وأخذ يتأمل المكان ليرى من أين ينصب عليه الأذى، وقد زعم أن صاحب الصوت مختبئ بين أغصان ما كان تحته من الأشجار فتطلع وتمعن ولكنه لم ير أحدا، وحدثته نفسه أن يعود من حيث أتى، ولكنه وجد من العبث أن يخرج؛ لأنه لو حاول ذلك، وكان صاحب الصوت يريد به سوءا، فما كانت محاولته الخروج بمنجية له من الموت؛ إذ يرديه بسهامه وهو مكشوف، فبقي على حاله ولم يشأ أن ينيخ كما أراد الصوت، وكان صاحب الصوت في أثناء ذلك يراقبه ويراقب الناقة ويعجب بها، فلما استبطأه ناداه: أنخ واعقلها وتوكل.
فتوجس ورقة من ذلك خيفة ورد مستنكرا، وقد ارتد إليه شيء من الجراءة على إثر ما تملكه إذ ذاك من القنوط: أنيخ، وأعقلها، وأتوكل!! على من أتوكل؟ - على النسر الأعلى، أخي يغوث
1
ويعوق
2
وأبي اللات
3
والعزى ومناة.
Page inconnue