3
الكبرى قبل موعده بعشرة أيام، ولذلك حرص كل راغب في شهود العيد من شباب صعدة وصنعاء وأبناء سراتهما، وكذلك كل من كان في سبيله إلى العراق أو إلى الشام، من يهود اليمن ونصارى بني كندة
4
أن يكون في نجران قبل يوم القافلة؛ ليسير في أمنها وحماها.
وعمل تجار مكة الذين كانوا قد وردوا اليمن في أوائل الشتاء ليستبضعوا لهذا العيد أن ينسلوا إلى نجران قبل موعد الرحيل بأيام؛ ليستريحوا هم وجمالهم من وعثاء الأسفار في مرابع اليمن وأسواقها المترامية قبل أن يندفعوا في سفرة أخرى أمدها عشرون يوما متواصلة. على أن منهم من كان في نجران من قبل؛ ليستولي على ما تصنعه أيدي أهلها من البرد والأدم، ويزاحم على ما يرد إليها من العطور والتحف التي يتهافت عليها الناس في الأعياد، ولذلك امتلأ سفح الجبل من نجران ومغارس نخيله دوين البيوت بمضارب الأغراب والتجار ومناخات الإبل ومرابط الخيل والبغال وأكداس البضائع، ولاحت نجران كأنما هي في يوم الحشر؛ لاجتماع أنواع الخلق فيها، وتزاحم الناس في أسوقها متفرجين أو مستبضعين، وانتعشت الحياة فيها بما كان ينفق الرحل من الأموال، وما يدفعونه فيما يشترونه من الأثمان.
وفي عشية الربيع سمرت القافلة سمر الوادع، واشترك أهل نجران في السامر بمعازفهم وأعوادهم وغلمانهم وقيانهم، فشربوا، وغنوا ورقصوا، وتلهوا، إلى أن انتصف الليل أو كاد، فعاد أهل نجران إلى بيوتهم، وانصرف أهل القافلة إلى مراقدهم؛ ليغنموا شيئا من الراحة قبل الرحيل في بكرة الصباح.
جاءت ساعة الرحيل، فما همت النجوم بالإدبار حتى هب الرقود على صوت المنادي: أيها العير، آذنت الشمس بالشروق. هبوا إلى الأحمال.
لم تكن الشمس قد آذنت بشيء ولا الفجر، ولكنها أكذوبة اعتادها المنادون؛ ليوقظوا الركب من رقاده، ويصرفوه إلى العمل، ولم يكن الركب على علم بحقيقة الساعة؛ لأنهم كانوا نازلين على سفح الجبل من جانبه الغربي، وما كانت الشمس لو طلعت لتبين لهم قبل أن يعلو النهار وتعلو الشمس هضباته، ولذلك نفروا من مراقدهم؛ ليقوضوا الخيام ويلموها، ويجمعوا الرواحل ويحملوها حتى إذا تنفس الفجر كانت القافلة قد تهيأت للرحيل عن نجران.
الشماسة يتراكضون نحو القافلة.
ولكنها ما كادت تنتظم في طريق الحجاز، ويهم المنادي أن يصيح: سيروا على بركة الله، حتى اضطرت إلى الوقوف على صياح متدارك وارد من ناحية الكنيسة، ونداء من منادين يقولون: قفوا. انتظروا لا ترحلوا.
Page inconnue