وقال فؤاد: كيف خالتي مبروكة؟
فصمت قوية لحظة ثم قال: البركة فيك.
وعلا وجهه غشاء من الحزن.
فنطق فؤاد ببعض ألفاظ مواساة يعزيه فيها، وأحس حسرة صادقة كأنه فقد صديقا حميما.
ثم عاد إلى الحديث يسأل قوية عن تعويضة وغيرها ممن عرف وعن حال الدار والعزبة والحقول والكوم، وكان قوية يجيبه عن ذلك ويضيف من عنده بعض ذكريات من أحداث تافهة مرت بهما يعرف أن لها في نفس فؤاد ذكريات عزيزة.
ودعاه فؤاد إلى قضاء اليوم معه، فتنقل به في أطراف القاهرة الفسيحة كأنه يرد إليه بعض دينه القديم؛ إذ كان يجول به في حواشي الريف أو يخرج به إلى الصيد في المناقع المعشبة.
وكان قوية قد امتلأ جسمه وحسنت بزته وخيل إلى فؤاد أنه مغتبط بالحياة، ولم لا يكون مغتبطا وهو زوج تعويضة؟ وتردد في أن يسأله عنها مرة أخرى حتى يأتي هو بشيء من سيرتها، ولكنه لم يستطع أن يصبر طويلا فسأله: لم لا تحدثني عن تعويضة طويلا؟ إنني أذكرك كثيرا وأذكرها ويشتد بي الشوق أن أراك وأن أراها.
فقال قوية في حماسة: تكون أسعد ساعة عندنا لو جئت لزيارتنا، ولو علمت تعويضة بأني في القاهرة ألقاك لما تركتني أسافر إليها وحدي.
وكان وهو يتحدث طلق المحيا تلمع عيناه بنور من الحماسة والبشر، فارتاح فؤاد وأحس نحو الرجل عطفا كأن ذكر تعويضة يصل بينهما سببا من المودة متينا.
وكانا عند ذلك يسيران على جانب النهر في الجزيرة الخضراء في ليلة مقمرة من ليالي الصيف الرائعة، والكروان يملأ الفضاء صداحا، والأشجار الحانية على جانبي الطريق تجعل المنظر كأنه قطعة من عالم خيالي.
Page inconnue