فتن الصبي بهذه العصا، ورغب في أن يظفر بها رغبة شديدة قوية أرقت
2
ليله ونغصت يومه، فأخذ يقرأ كتب السحر والتصوف، يلتمس عند السحرة والمتصوفين وسيلة تمكنه من هذه العصا.
وكان له قريب صبي مثله يرافقه إلى الكتاب، فكان أشد منه كلفا بهذه العصا، وما هي إلا أن جد الصبيان في البحث حتى انتهيا إلى وسيلة يسيرة تمكنهما مما يريدان، وجداها في كتاب الديربي، وهي أن يخلو الفتى إلى نفسه وقد تطهر ووضع بين يديه نارا ومقدارا من الطيب، ثم يأخذ في ترديد هذا الاسم من أسماء الله «يا لطيف يا لطيف» ملقيا في النار شيئا من الطيب من حين إلى حين، فيمضي في ترديد هذه الكلمة وتحريق هذا الطيب، حتى تدور به الأرض، وينشق أمامه الحائط، ويمثل أمامه خادم من الجن موكل بهذا الاسم من أسماء الله، فيطلب إليه ما يريده، والحاجة مقضية من غير شك.
ظفر الصبيان بهذه الوسيلة، فاعتزما أن يستخدماها، وما هي إلا أن اشتريا ضروبا من الطيب، وخلا صبينا إلى نفسه في المنظرة، أغلق بابها من دونه ووضع بين يديه قطعا من النار وأخذ يلقي فيها الطيب، ويردد: «يا لطيف! يا لطيف!» وطال به هذا وهو ينتظر أن تدور به الأرض وينشق له الحائط ويمثل الخادم بين يديه، ولكن شيئا من ذلك لم يكن، وهنا تحول صبينا الساحر المتصوف إلى نصاب.
خرج من المنظرة مضطربا يمسك رأسه بيديه ولا يكاد لسانه ينطلق بحرف واحد، فتلقاه صاحبه الصبي يسأله: هل لقي الخادم؟ وهل طلب إليه العصا؟ وصاحبنا لا يجيب إلا مضطربا مرتجفا، تصطك أسنانه اصطكاكا، حتى روع رفيقه الصبي، وبعد لأي
3
أخذ صاحبنا يهدأ ويجيب في ألفاظ متقطعة، وبصوت متهدج: «لقد دارت بي الأرض حتى كدت أسقط، وانشق الحائط وسمعت صوتا ملأ الحجرة من جميع نواحيها، ثم أغمي علي، ثم أفقت فخرجت مسرعا.»
سمع الصبي هذا! فامتلأ فرحا وإعجابا بصاحبه، وقال له: هون عليك؛ فقد أصابك الرعب وملك الخوف عليك أمرك، فلنبحثن في الكتاب عن شيء يؤمنك ويشجعك على أن تثبت للخادم وتطلب منه ما تشاء. واستأنفا البحث في الكتاب، وانتهى بهما البحث إلى أن صاحب الخلوة يجب أن يصلي ركعتين قبل أن يجلس إلى النار ويأخذ في ترديد هذا الاسم، وكذلك فعل الصبي من غده، وأخذ يلقي الطيب في النار ويردد دعاء «اللطيف» ينتظر أن تدور به الأرض، وينشق له الحائط، ويمثل الخادم بين يديه، ولكن شيئا من ذلك لم يكن. وخرج الصبي إلى صاحبه هادئا مطمئنا، فأخبره أن قد دارت الأرض وانشق الحائط ومثل الخادم بين يديه وسمع منه حاجته، ولكنه لم يشأ أن يجيبه إليها حتى يمرن على هذه الخلوة، ويكثر من الصلاة وإطلاق البخور وذكر الله، وضرب له موعدا لقضاء هذه الحاجة شهرا كاملا يأتي فيه هذا الأمر في نظام؛ فإن فسد هذا النظام فلا بد من استئناف الأمر شهرا كاملا آخر. وصدق الصبي صاحبه، وأخذ يلح عليه في كل يوم أن يخلو إلى النار ويردد الدعاء. وأخذ الصبي يستغل من صاحبه هذا الضعف، ويكلفه ما شاء من مشقة وعناء، فإن أبى أو أظهر الإباء أعلن إليه صاحبه أنه لن يخلو إلى النار، ولن يدعو «اللطيف»، ولن يلتمس العصا؛ فيذعن إذعانا سريعا.
على أن صاحبنا لم يكن يميل وحده إلى السحر والتصوف، وإنما كان يدفع إلى ذلك دفعا، يدفعه إليه أبوه؛ ذلك أن الشيخ كان كثير الحاجات عند الله، كان له أبناء كثيرون، وكان يحرص على تعليمهم وتهذيبهم، وكان فقيرا لا يستطيع أن يؤدي نفقات ذلك التعليم، وكان يستدين من حين إلى حين ويثقل عليه أداء الدين، وكان يطمع في أن يزاد راتبه من حين إلى حين ، وكان يطمع في أن يتقدم درجة وينتقل من عمل إلى عمل، وكان يلتمس هذا كله عند الله بالصلاة والدعاء والاستخارة، وكان أحب وسائل الالتماس إليه «عدية يس». وكان يطلب «عدية يس» هذه إلى ابنه الصبي؛ لأنه صبي ولأنه مكفوف، وهو بهاتين المزيتين أثير
Page inconnue