سأله: من أول من رفع شأن التعليم في مصر؟
فوجم الفتى ولم يرجع جوابا.
قال السلطان وهو يضرب على كتفه وينطق في لهجة تركية: جنة مكان إسماعيل باشا.
ثم صرف الرفاق، ولم يكادوا يخرجون من غرفة الاستقبال حتى أنبأهم منبئ بأن السلطان قد تفضل وأجاز كل واحد منهم بخمسين جنيها.
وخلص الرفاق بعد أن خرجوا من القصر نجيا؛ فقرروا أن يهدوا جوائزهم إلى الجامعة معونة لها واعترافا ببعض ما قدمت إليهم من جميل، وكانوا بهذا القرار سعداء حقا كأنما أهدوا إلى أنفسهم خيرا عظيما ومعروفا جزيلا.
وهم يسعون إلى علوي باشا رحمه الله ليرفعوا إليه قرارهم ذاك، منتظرين أن يسمعوا منه رضا عنهم وثناء عليهم وتشجيعا لهم على أن يكونوا أخيارا، ولكن علوي باشا يلقاهم ويسمع منهم، ثم يغرق في ضحك متصل، ثم يقول لهم: ما هذا الكلام الفارغ؟! خذوا أموالكم واذهبوا، فاعبثوا بها في باريس أيها الحمقى! فمن حقكم أن ترفهوا عن أنفسكم أياما بعدما لقيتم في هذه الأشهر من عناء طويل ثقيل!
ثم يسكت حينا ثم يقول: فإذا أصبحتم أغنياء فاستأنفوا ما أقدمتم عليه من خير، وما أراكم تفعلون يومئذ، فستعرفون قدر المال.
وانصرف الرفاق عن علوي باشا لا يعرفون أكانوا راضين؛ لأنه قد حفظ عليهم أموالهم لينفقوها في باريس؟ أم كانوا ساخطين لأنه لم يقبل منهم تبرعهم ذاك الذي أقدموا عليه مخلصين؟
ويفد الرفاق صباح يوم إلى الجامعة ليأخذوا منها تذاكر السفر، ولكن صاحبنا يسمع ما يؤذيه أشد الأذى وأمضه.
فقد أبت شركة السياحة أن تصرف له تذكرة السفر إلا بإذن خاص من المفوضية الإيطالية، فقد كان الرفاق سينزلون في نابولي، وكانت الشركة تخشى ألا يؤذن لصاحبنا بالنزول في إيطاليا لأنه ضرير ولا يحسن السعي في اكتساب الرزق.
Page inconnue