وتحادثنا، كنت أحادثها عن أيام الطفولة والصبا، وراحت تحادثني عن الأنوثة التي التقيت بها في أوروبا، راحت تسألني في جرأة عارية عما فعلت في أوروبا، بل راحت تنبئني عما فعل بها زوجها.
ذعرت، ليست هذه هناء، إنها امرأة، عرفت مثيلاتها الكثيرات، ليست هذه حبي، ليست هذه طفولتي، لا ولا هذه أحلامي، أرجعوا الأيام، أعيدوا إليها طفولتها، وصباها وبواكير شبابها لأرى طفولتي وصباي وبواكير شبابي.
كان لقاؤنا الأول هو الأخير، حاولت أن تدعوني فما زادني هذا إلا بعدا، لقد فقدت هناء التي عرفتها؛ فما خلقت إلا امرأة، امرأة كاملة ولكن ليس لي فيها ذكريات ولا آمال.
أحببت وهمي
لا تلمني يا صديقي وأنت كثير اللوم. نعم إني أسرف في إنفاق المال وأرمي به في كل متجه، لا أفكر في العاقبة ولا أريد أن أفكر فيها، ولكن لا تلمني فما تدري أنت مقدار السعادة التي أحس بها وأنا أقذف بهذا المال، لا، لا تدري وأرجو الله ألا تدري أبدا، وأرجو الله ألا تحس بهذه السعادة التعسة التي أحسست بها.
قد انقطعت عنك شهورا فما تعلم من أمري شيئا، وقد كان آخر ما بيني وبينك أنك عرفت بخطبتي وهنأتني في لقاء عابر سريع، ثم درت أنا في هذه الدوامة التي لم أفرغ منها إلا اليوم.
لم تعرف شيئا عن خطيبتي، نعم لم تعرف شيئا عن ندى، أحببتها يا أخي منذ أنا صبي يدرج إلى باكر الشباب وأحبتني، رأيت فيها فتاة منسوجة من الإشراق، فهي حيثما تحل فرحة نشوى، المرح مجالها، والنور مسبحها، والصفاء محياها، والطهر هي ...
أحببتها يا أخي فخطبتها فازددت حبا لها، وأي عجب أن أحب خطيبتي، ومرت بنا في أيام الخطبة فترة وسنانة حالمة حييت فيها بقلب خافق ينتابه الذعر من الغد؛ فقد اعتادني الذعر منذ غمرتني هذه السعادة. ولكنني كنت حين أسير معها أنسي سعادتي وذعري، ولا أذكر إلا أنني أسير مع ندى وقد التف ذراعها على ذراعي فأحس كأن ذراعها ستار يحجب عني من الدنيا شرورها، ويفسح أمامي مجالات الجمال فيها والإشراق.
كان هذا يا صديقي، ثم كانت ليلة اتفقنا فيها على أن نذهب إلى السينما في الغد، وتركتها وأنا أفكر في هذا الغد وأنتظره حتى جاء فاشتريت التذاكر، وذهبت إليها قبل الموعد وانتظرتها على أسفل السلم في بيتها. وطالت بها الغيبة فأخذت أصيح في مزاح جاد وأخذ أهلوها يضحكون من ثورتي المرحة ويشاركونني فيها حتى بدت أخيرا على رأس السلم مشرقة حلوة ضاحكة مشاركة في الصياح المرح، وراحت تنزل السلم وثبا، ولكنها توقفت في منتصفه هنيهة لم يلحظها إلا أنا، وتابعت وثبها إلى أسفل حتى أدركتني.
وسحبتها من يدها إلى الخارج دون أن أتيح لها أن تعرض أناقتها على أمها وأبيها. واحتوانا الطريق وفي نفسي غصة جاهدت نفسي على إخفائها بعض الحين ثم لم أطق السكوت: ندى ... - هيه ... - لماذا توقفت وأنت تنزلين السلم؟
Page inconnue