80

Où est l'homme

أين الإنسان

Genres

جهل الإنسان أصله، إن الإنسان لكثير النسيان، كانت الحرب للمدافعة، فاتخذها للمطاردة، وقام المدني على نهج الوحشي، فهو ظلوم وابن ظلوم، جهول وابن جهول، كفور وابن كفور، كان الكلام للإفهام، فجعله للخصام، واهتضام الحقوق، وخراب المدن، وإخافة الآمنين، فلعمرك لقد ضل ابن آدم بخصلتين؛ فضل المنطق وفضل السلاح.

هذا ما أردت أن تعتبر به من الآساد والأسلاك البرقية وهو المنظر الثاني والعشرون، ثم انظر إلى هذه الأسلاك من وجه آخر وهو: (16) وحدة الإنسان

نوع الإنسان كرجل واحد، ودليلنا على ذلك أسلاك التلغراف الممتدة في الهواء، ألا ترى أنها أشبه شيء بتلك الأسلاك الشعرية، التي تنوف على ثلاثة آلاف عصب شعري، تبتدئ من تجويفي الأذنين، وتتصل برملات صغيرات قد لا ترى بأكبر المجاهر المعظمة، وجميعها واصلة إلى الدماغ، فإذا ورد على الأذن صوت التقطه عصب من تلك الأعصاب الدقيقة المتصلة برملة من تلك الرملات وأوصله إلى الدماغ فأحس به الإنسان، ولكل صوت سلك عصبي من تلك الأعصاب يوصله إلى الدماغ، وما أكثر أنواع الأصوات في العالم، وما أكثر الأسلاك العصبية. فلكل صوت من تلك الأصوات عصب من تلك الأعصاب، كما أن لكل عرق من عروق النخلة عملا خاصا في التغذية، إذ تجتلب العناصر الأرضية، وتوصلها إلى أجزاء النخلة العلوية.

ولما كانت أجزاء النخلة كثيرة من أغصان وألياف وجمار وبلح ونوى وجذع، كثرت الفروع ودقت، ووزعت الأعمال عليها توزيعا متقنا، واتصلت عروقها الأرضية بطوائف من الأنابيب الدقيقة الممتدة في جذع النخلة الواصلة إلى الأغصان والألياف والجمار إلى آخره، هكذا كانت الأصوات الواصلة إلى آذان الإنسان السارية في الأسلاك العصبية، المبثوثة في الأذن الواصلة إلى الرأس، وهكذا كانت أسلاك التلغراف، توصل الأخبار من أمة إلى أمة، ومن قرية إلى قرية، ومن إنسان إلى إنسان.

فوضح أن الإنسان كله شخص واحد، له أسلاك خارجية تشابه الأسلاك الداخلية، وهل الحيوان له في هذا نظير، وهل له وحدة تجمع أشتاته كما جمعت الإنسان.

لا جرم أن الإنسان أقرب للاتحاد، فقتاله وحربه جهل فاضح وظلم واضح وغفلة عن الصراط المستقيم. (17) الماديات والمعنويات

ثم قال: الجنس البشري الأرضي تردد بين عاملين، المادة والروح، فأما البوذيون والبرهميون ومن على شاكلتهم من الصين والهند، ومن نحا نحوهم من بعض متأخري المسلمين وقدماء المسيحيين، فإنهم أحبوا التجرد عن المادة، والتخلي عن الشهوة، والانقطاع إلى العقل والتبتل، والدخول في باحات الأرواح وساحات الخيال، ومن كانت هذه حالهم، تألبت عليهم الأمم، وغلبتهم الطاغية.

وأما الماديون من الرومان وبعض فلاسفة الإفرنج الذين جنحت هممهم إلى تقوية المادة، فأولئك الذين يرقبون غفلة غيرهم، وينكلون بهم، ويؤذونهم أذى شديدا، ويعذبونهم عذابا أليما ثم تدور الدائرة عليهم، إذا طغوا وبغوا فيصبحون في ديارهم جاثمين.

ألا وإن طريقنا الذي نختاره أن تأتلف القلوب وتتحد النفوس وتتعاشق الأرواح ويصبح الإنسان كله كإنسان واحد ناظم أمر الجسم والروح، ثم ليتحدوا في أعمالهم. (18) الوحشية

ثم قال: الوحشية في العالم صنفان، طبيعية وصناعية، فوحشية الآساد والصقور اقتضتها الطبيعة الكونية، والحكم النظامية، لتزاحم الناس والحيوان، لإزالة الرمم، ودفع الغمم، المعفنة للهواء، المميتة للأحياء. ووحشية الإنسان صناعية جاهلية، أكسبته إياها عوائد الجاهلين ولصقت به لصوق العار للفاسقين، وعادات السوء للغاوين، إنكم يا معشر أهل الأرض جهال ضعاف العقول، أولا ترى كيف تدليتم إلى الحضيض الأسفل عن السباع والضباع والذئاب والكلاب، إذ صرفتم قواكم إلى القوى الدفاعية والهجومية، ألم تر كيف كان مجموع دين ممالك أوروبا سنة 1870: 4000000000 أربعة بليون جنيه، وقد بلغ الآن 6000000000 ستة بليون جنيه صرفتموها على الجيوش الجرارة، والسيوف البتارة، والمدافع الضرارة. وانظر إلى هذا الجدول تعرف عدد الجيوش وما يصرف عليها كل سنة:

Page inconnue